حدثنيه (١) شبابة، عن عُقيل، عن الزهرّي، فذكره -يعني مرسلاً-. قال: وذلك لأن الأعمال لا تكون إلا بالحركات، إلا الصوم، فإنما هو بالنيّة التي تخفى عن الناس، هذا هو وجه الحديث عندي انتهى.
وقد روى الحديثَ المذكورَ البيهقيُّ في "الشعب" من طريق عُقيل، وأورده من وجه آخر عن الزهريّ موصولاً، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وإسناده ضعيف، ولفظه:"الصيام لا رياء فيه، قال اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-: هو لي، وأنا أجزي به ". وهذا لو صحّ لكان قاطعًا للنزاع.
وقال القرطبيّ: لما كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يطَّلِعُ عليه بمجرّد فعله إلا اللَّه، فأضافه اللَّه إلى نفسه، ولهذا قال في الحديث:"يدَع شهوته من أجلي". وقال ابن الجوزيّ. جميع العبادات تظهر بفعلها، وقلّ أن يَسلَم ما يظهر من شَوْب، بخلاف الصوم. وارتضى هذا الجواب المازريّ، وقرره القرطبيّ بأن أعمال بني آدم لما كانت يمكن دخول الرياء فيها أضيفت إليهم، بخلاف الصوم، فإذ حال الممسك شبعًا مثلُ حال الممسك تقرّبًا. يعني في الصورة الظاهرة.
قال الحافظ: معني قوله: "لا رياء في الصوم" أنه لا يدخله الرياء بفعله، وإن كان قد يدخله الرياء بالقول، كمن يصوم، ثم يخبر بأنه صائم، فقد يدخله الرياء من هذه الحيثية، فدخول الرياء في الصوم إنما يقع من جهة الإخبار، بخلاف بقية الأعمال، فإن الرياء قد يدخلها بمجرّد فعلها، وقد حاول بعض الأئمة إلحاق شيء من العبادات البدنيّة بالصوم، فقال: إن الذكر بـ "لا إله إلا اللَّه" يمكن أن لا يدخله الرياء، لأنه بحركة اللسان خاصة، دون غيره من أعضاء الفم، فيمكن الذاكر أن يقولها بحضر الناس، ولا يشعرون منه بذلك.
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: إن أراد قائل هذا القول إلحاق الذكر المذكور بالصوم من حيث عدم دخول الرياء، فمسلم، وإن أراد إلحاقه به من حيث الثواب والجزاء، فليس بصحيح، فإن هذا مما لا مدخل للقياس فيه، فلا يلحق بالصوم في الثواب شيء من العبادات، بل يقتصر الوارد عليه، كما هو ظاهر النصّ. واللَّه تعالى أعلم.
[ثانيها]: أن المراد بقوله: "وأنا أجزي به" أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه، وتضعيف حسناته، وأما غيره من العبادات، فقد اطلع عليها بعض الناس. قال القرطبيّ: معناه أن الأعمال قد كُشفت مقادير ثوابها للناس، وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء اللَّه، إلا الصيام، فإن اللَّه يُثيب عليه بغير تقدير، ويشهد لهذا السياق رواية الأعمش، عن أبي صالح، حيث قال: "كلّ عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها، إلى