للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَقُولُ: الصَّوْمُ لي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) سيأتي بيان اختلاف العلماء في سبب اختصاص الصوم بكونه للَّه تعالى، مع أن كل العبادات له في المسألة الثالثة إن شاء اللَّه تعالى.

(وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ) جملة اسمية من المبتدإ المؤخّر والخبر المقدّم، أي للذي قام بحقوق الصوم، فأداه بواجباته، ومستحباته مرّتان من الفَرَح عظيمتان: إحداهما في الدنيا، والأخرى في الأخرى (حِينَ يُفْطِرُ) الظرف متعلّق بمحذوف خبر لمبتدإ مقدّر، أي الفرحة الأولى: كائنة وقتَ إفطاره، يعني أنه يفرح وقتَ إفطاره بالخروج عن عُهدة المأمور، أو بوجدان التوفيق لإتمام الصوم، أو بخلوص الصوم، وسلامته من المفسدات، من الرفث واللغو، أو بما يرجوه من حصول الثواب، أو بالأكل، والشرب بعد الجوع والعطش.

قال القرطبيّ: معناه يفرح بزوال جوعه وعطشه حيث أُبيح له الفطر، وهذا الفرح طبيعيّ، وهو السابق للفهم. وقيل: إن فَرَحَه بفطره إنما هو من حيث إنه تمام صومه، وخاتمة عبادته، وتخفيف من ربّه، ومعونة على مستقبل صومه.

قال الحافظ: ولا مانع من الحمل على ما هو أعمّ مما ذُكر، ففرح كلّ أحد بحسبه؛ لاختلاف مقامات الناس في ذلك، فمنهم من يكون فرحه مباحًا، وهو الطبيعيّ، ومنهم من يكون مستحبًا، وهو من يكون سببه شيئًا مما ذُكر. انتهى.

(وَحِينَ يَلْقَى رَبَّهُ) إعرابه كسابقه، أي الفرحة الثانية كائنة وقت لقاء ربه، بنيل الجزاء، أو الفوز باللقاء. وقيل: هو السرور بقبول صومه، وترتّب الجزاء الوافر عليه، ولا تنافي بين المعاني.

(وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ) بفتح لام جواب القسم، والخُلُوف -بضم الخاء، واللام، بعدها واو، وآخره فاء-: تغيّر رائحة الفم، يقال: خَلَفَ فم الصائم خُلُوفًا، من باب قَعَدَ: تغيّرت ريحه، وأخلف بالألف لغة، وزاد في "الجمهرة": من صوم، أو مرض. قاله في "المصباح".

وقال القاضي عياض -رحمه اللَّه تعالى-: كونه بضم الخاء واللام هو الرواية الصحيحة، وبعض الشيوخ يقوله بفتح الخاء. قال الخطّابيّ: وهو خطأ. وحكى القابسيّ الوجهين، وصوّب الضمّ، وبالغ النوويّ في "شرح المهذب"، فقال: لا يجوز فتح الخاء، واحتجّ غيره لذلك بأنّ المصادر التي جاءت على فَعُول بفتح أوله قليلة، ذكرها سيبويه وغيره، وليس هذا منها. واتفقوا على أن المراد به تغيّر رائحة فم الصائم بسبب الصيام. كذا في "الفتح". وقال الباجيّ: الخلوف تغيّر رائحة فم الصائم، وإنما يَحدُث من خُلُو المعدة بترك الأكل، ولا يذهب بالسواك؛ لأنها رائحة النفَس الخارج من