والحكمة فيه التقوّي بالفطر لرمضان ليدخل فيه بقوّة ونشاط، وهذا فيه نظر؛ لأن مقتضى الحديث أنه لو تقدّمه بصيام ثلاث أيام، أو أربعة جاز.
وقيل: الحكمة فيه خشية اختلاط النفل بالفرض، وفيه نظر أيضًا؛ لأنه يجوز لمن له عادة كما صُرِّحَ به في الحديث. وقيل: لأن الحكم علق بالرؤية فمن تقدّمه بيوم أو يومين، فقد حاول الطعن في ذلك الحكم، وهذا هو المعتمد.
ومعنى الاستثناء أن من كان له ورد، فقد أُذِنَ له فيه لأنه اعتاده، وألفه، وترك المألوف شديد، وليس ذلك من استقبال رمضان في شيء، ويلتحق بذلك القضاء والنذر لوجوبهما. قال العلماء: يستثنى القضاء والنذر بالأدلّة القطعيّة على وجوب الوفاء بهما، فلا يبطل القطعيّ بالظنيّ.
وفي الحديث ردّ على من يرى تقديم الصوم على الرؤية كالرافضة، وردّ على من قال بجواز صوم النفل المطلق.
وأبعد من قال: المراد بالنهي التقدّم بنية رمضان، واستدلّ بلفظ التقدّم؛ لأن التقدّم على الشيء بالشيء إنما يتحقّق إذا كان من جنسه، فعلى هذا يجوز الصيام بنيّة النفل المطلق، لكن السياق يأبى هذا التأويل ويدفعه. وفيه بيان لمعنى قوله في الحديث الماضي:"صوموا لرؤيته"، فإن اللام للتأقيت؛ لا للتعليل، قال ابن دقيق العيد: ومع كونها محمولة على التأقيت فلا بدّ من ارتكاب مجاز؛ لأن وقت الرؤية -وهو الليل- لا يكون محلّ الصوم. وتعقّبه الفاكهيّ بأن المراد بقوله:"صوموا" انووا الصيام، والليل كله ظرف للنيّة.
قال الحافظ: فوقع في المجاز الذي فرّ منه؛ لأن الناوي ليس صائمًا حقيقة بدليل أنه يجوز له الأكل والشرب بعد النيّة إلى أن يطلع الفجر. وفيه منع إنشاء الصوم قبل رمضان إذا كان لأجل الاحتياط، فإن زاد على ذلك فمفهومه الجواز. وقيل: يمتدّ المنع لما قبل ذلك، وبه قطع كثير من الشافعيّة، وأجابوا عن الحديث بأن المراد منه التقدُّم بالصوم، فحيث وُجِد مُنِع، وإنما اقتصر على يوم أو يومين لأنه الغالب ممن يقصد ذلك، وقالوا: أمد المنع من أول السادس عشر من شعبان؛ لحديث العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، مرفوعًا:"إذا انتصف شعبان، فلا تصوموا". أخرجه أصحاب "السنن"، وصححه ابن حبّان، وغيره. وقال الروياني من الشافعيّة: يحرم التقدّم بيوم، أو بيومين؛ لحديث الباب، ويكره التقدّم من نصف شعبان للحديث الآخر.
وقال جمهور العلماء: يجوز الصوم تطوّعًا بعد النصف من شعبان، وضعّفوا الحديث الوارد فيه، وقال أحمد، وابن معين: إنه منكر، واستدلّ البيهقي بحديث الباب على