قال القرطبيّ: وإذا كان الشهيد لا يُفتن، فالصدّيق أجلّ خَطَرًا، وأعظم أجرًا، فهو أحرى أن لا يُفتن؛ لأنه المقدّم ذكره في التنزيل على الشهداء، في قوله تعالى:{فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} الآية [النساء: ٦٩]، قال: وقد جاء في المرابط الذي هو أقلّ مرتبة من الشهداء أن لا يُفتن فكيف بمن هو أعلى رتبة منه ومن الشهيد. انتهى.
قال السيوطيّ: قد صرّح الحكيم الترمذيّ بأن الصدّيقين لا يُسألون، وعبارته: ثم قال تعالى: {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}[إبراهيم: ٢٧] وتأويله عندنا -واللَّه أعلم- أن من مشيئته أن يرفع مرتبة أقوام من السؤال، وهم الصدّيقون، والشهداء.
وما نقله القرطبيّ، عن الحكيم في توجيه حديث الشهيد يقتضي اختصاص ذلك بشهيد المعركة، لكن قضيّة أحاديث الرباط التعميم في كلّ شهيد، وقد جزم الحافظ ابن حجر في كتابه "بذل الماعون في فضل الطاعون" بأن الميت بالطعن لا يُسأل؛ لأنه نظير المقتول في المعركة، وبأن الصابر بالاعون محتسبًا يَعلَم أنه لا يُصيبه إلا ما كتب اللَّه له، إذا مات فيه بغير الطعن، لا يُفتن أيضًا؛ لأنه نظير المرابط. وقد قال الحكيم في توجيه حديث المرابط: إنه قد ربط نفسه، وسجنها، وصيّرها جيشًا في سبيل اللَّه؛ لمحاربة أعدائه، فإذا مات على هذا، فقد ظهر صدق ما في ضميره، فوُقِي فتنة القبر انتهى ما ذكره السيوطيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- (١).
قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: في قياس غير الشهداء عليهم نظر لا يخفى؛ لأن هذا من الأمور الغيبية التي لا ينالها العقل، فلا يقبل فيها القياس، ولا يلزم من رفعة الدرجة أن لا يسألوا في قبورهم، فالأولى عدم الخوض في مثل هذا الباب إلا فيما جاءت فيه النصوص الصحيحة الصريحة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلقان بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته:
حديث رجل من أصحاب النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا صحيح، وهو من أفراد المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، أخرجه هنا -١١٢/ ٢٠٥٣ - وفي "الكبرى" ١١٢/ ٢١٨٠. واللَّه تعالى أعلم.