جَهْل، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ) أي تُعرض (عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَمْ يَزَالَا يُكَلِّمَانِهِ) وفي رواية للبخاريّ: "فلم يزل رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يَعْرِضها عليه، ويعيدانه بتلك المقالة … "، وفي رواية لمسلم:"فلم يزل رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يَعرضها عليه، ويعيدان له بتلك المقالة"، والمراد قول أبي جهل، ورفيقه له:"أترغب عن ملة عبد المطّلب"(حَتَّى كَانَ آخِرُ شَيْءٍ، كَلَّمَهُمْ بِهِ) أي كلّم به الحاضرين لديه (عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) خبر لمحذوف، أي هو على ملة عبد المطلب، وفي رواية للبخاريّ:"هو على ملة عبد المطّلب"، وأراد بذلك نفسه، ويحتمل أن يكون قال:"أنا"، فغيّرها الراوي آَنفَةً أن يحكي كلام أبي طالب، استقباحًا للفظ المذكور؛ وهي من التصرّفات الحسنة. ووقع في رواية مجاهد، قال:"يا ابن أخي ملة الأشياخ"، ووقع في حديث أبي حازم، عن أبي هريرة عند مسلم، والترمذيّ، والطبريّ:"قال: لولا أن تعيّرني قريش، يقولون: ما حمله عليه إلا جزع الموت لأقررت بها عينك"، وفي رواية الشعبيّ عند الطبريّ:"قال: لولا أن يكون عليك عار، لم أبال أن أفعل".
زاد في رواية البخاريّ:"وأبى أن يقول: لا إله إلا اللَّه"، وهو تأكيد من الراوي في نفي وقوع ذلك من أبي طالب، وكأنه استند في ذلك إلى عدم سماعه ذلك منه في تلك الحال، وهذا القدر هو الذي يمكن اطلاعه عليه، ويحتمل أن يكون أطلعه النبي - صلى اللَّه عليه وسلم - على ذلك.
قال النوويّ: وكانت وفاة أبي طالب بمكة قبل الهجرة بقليل. قال ابن فارس: مات أبو طالب، ولرسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - تسع وأربعون سنة، وثمانية أشهر، وأحد عشر يومًا، وتوفيت خديجة، أم المؤمنين - رضي اللَّه عنها - بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام انتهى.
(قَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى اللَّه عليه وسلم -: "لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ، مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ) بصيغة المتكلم المبنيّ للمفعول، من النهي، أي مدة عدم نهي اللَّه تعالى إياي عن الاستغفار لك.
قال الزين ابن الْمُنَيِّر -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: ليس المراد طلب المغفرة العامة، والمسامحة بذنب الشرك، وإنما المراد تخفيف العذاب عنه، كما جاء مبيّنًا في حديث آخر.
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وهذه غلفة شديدة منه، فإن الشفاعة لأبي طالب في تخفيف العذاب لم تُردّ، وطلبُها لم يُنْهَ عنه، وإنما وقع النهي عن طلب المغفرة العامّة، وإنما ساغ ذلك للنبيّ - صلى اللَّه عليه وسلم -، اقتداءً بإبراهيم في ذلك، ثم ورد نسخ ذلك، كما سيأتي واضحًا انتهى (١). (فَنَزَلَتْ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ}[التوبة: ١١٣]) أي