وعن أبي الصدّيق الناجيّ: إن كان الرجل ليتقطّع شِسْعُهُ في الجنازة، فما يدركها، وما يكاد أن يدركها. وعن ابن عمر: لَتُسرعنّ بها، أو لأرجعنّ. وعن الحسن، ومحمد (١) أنهما كانا يعجبهما أن يسرع بالجنازة. وكان الحسن إذا رأى منهم إبطاء قال: امضوا، لا تحبسوا ميتكم. وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص أن أباه أوصاه، فقال: إذا أنت حملتني على السرير، فامش بي مشيًا بين الماشيين.
وحكى الطحاوي في المسألة خلافًا، فحكى عن قوم أن السرعة بالجنازة أفضل، قال: وهو قول أبي حنيفة، وصاحبيه، وجمهور العلماء، قال: وخالفهم آخرون، وقالوا: المشي بها مشيًا ليّنا أفضل.
وقال القاضي عياض: معنى هذا الإسراع عند بعضهم ترك التراخي في المشي بها، والتباطؤ، والزَّهْوِ في المشي، ويكره الإسراع الذي يشقّ على من تبعها، ويحرك الميت، وربما كان سبب خروج شيء منه، وعلى هذا حملو نهي مَن نهى من السلف عن الدَّبيب بها دبيب اليهود، وأمر بالإسراع، وجمعوا بينه وبين من رُوي عنه النهي عن الإسراع. واستدلّوا بما جاء في الحديث مفسّرًا عنه - صلى اللَّه عليه وسلم -: "هو ما دون الْخَبَب"، وفي حديث آخر:"عليكم بالقصد في جنائزكم".
وهو قول جمهور العلماء، وأبي حنيفة، وأصحابه، والشافعيّ، وابن حبيب من أصحابنا، وحمل بعضهم ما جاء في ذلك من الآثار عن السلف على الخلاف في المسألة، والجمع بينهما على ما تقدّم انتهى.
ورجّح القاضي عياض نفي الخلاف في المسألة، وأن من أمر بالإسراع أراد به المتوسّط، ومن نهى عنه أراد المفرط، ويوافق هذا كلام النوويّ، فإنه بعد أن نقل عن الشافعية وغيرهم استحباب الإسراع، قال: وجاء عن بعض السلف كراهة الإسراع، وهو محمول على الإسراع المفرط الذي يُخاف معه انفجارها، أو خروج شيء منها انتهى.
قال الحافظ ولي الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ولنذكر الأحاديث في ذلك، فنقول:
روى أبو داود بسند صحيح من رواية عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه: أنه كان في جنازة عثمان بن أبي العاص، وكنا نمشي مشيًا خفيفًا، فلَحِقَنا أبو بكرة، فرفع سوطه، وقال:"لقد رأيتنا، ونحن مع رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - نرمُلُ رَمَلًا". وفي رواية له: "في جنازة