للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

بالإسراع للرجال، فإن النساء يضعفن عن الحمل، وربّما انكشف بعض أبدانهنّ انتهى. (١)

ومنها: استحباب المبادرة إلى دفن الميت، لكن بعد أن يُتَحَقّق أنه مات، أما مثل المطعون، والمفلوج، والمسبوت (٢)، فينبغي أن لا يُسرع بدفنهم حتى يمضي يوم وليلة، ليُتَحقّق موتهم، نبّه على ذلك ابن بزيزة. (٣) ومنها: أن فيه إكرام أهل الخير والصلاح، إذا ماتوا بالمبادرة إلى الوصول إلى جزاء ما قدّموه، من الأعمال الصالحة، وجزؤها من فضل اللَّه تعالى ورحمته. ومنها: أن فيه تقليل مصاحبة أهل الشرّ، إلا فيما شُرع عند موتهم، كتجهيزهم، ودفنهم، وذلك لبعدهم عن رحمة اللَّه تعالى، فلا مصلحة في مصاحبتهم، وكذا ينبغي اجتناب مصاحبة أهل البَطَالة، وغير الصالحين. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الرابعة: في اختلاف أهل العلم في مشروعية الإسراع بالجنازة، وفي حدّه: قال الحافظ وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: حكى البيهقيّ في "المعرفة" عن الشافعيّ: أن الإسراع بالجنازة هو فوق سجيّة المشي، وحكى عنه ابن المنذر، وابن بطّال أنه سجيّة المشي، والأول أثبت، ويوافقه قول أصحابنا، وهذه عبارة الرافعيّ والنوويّ: المراد بالإسراع فوق المشي المعتاد، دون الخَبَب، وكذا قال الحنفيّة، وهذه عبارة صاحب "الهداية": ويمشون به مسرعين، دون الخبب. وحكى ابن قُدامة، عن القاضي، من الحنابلة أن المستحبّ إسراع، لا يخرج عن المشي المعتاد، قال: وهو قول الشافعيّ، قال: وقال أصحاب الرأي: يَخُبّ، ويرمُلُ.

وقال ابن المنذر بعد ذكره هذا الحديث: وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وعمران ابن حُصين، وأبي هريرة، قال: وقال الشافعيّ: يسرع بالجنازة إسراع السجيّة، مشي الماشي، قال: وقال أصحاب الرأي: العجلة أحبّ إلينا من الإبطاء بها. وروى ابن أبي شيبة الوصيّةَ به عن عمر، وعمران بن حُصين، وأبي هريرة، وعلقمة، وأبي وائل،


(١) - "الإعلام" ج٤ ص ٤٧٠.
(٢) - المطعون" هو المصاب بالاعون، وهو داء معروف. و"المفلوج": هو المصاب بالفالج. و "المسبوت": هو المصاب بالغشية، يقال: سُبت المريض: إذا غُشي عليه.
وقد اعترض بعض المحققين على تحديد تحقق موت مثل هؤلاء باليوم والليلة، وقال: الأولى عدم التحديد، بل يُرجَع إلى العلامات الدالة على الموت، فمتى وُجد منها ما يدلّ على يقين الموت اكتفي بذلك، وإن لم يمض يوم وليلة انتهى.
قال الجامع: هو وجيه حسنٌ. واللَّه تعالى أعلم.
(٣) - راجع "الفتح" ج ٣ ص ٥٣٩ - ٥٤٠.