للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقال الفاكهيّ: ما ردّه النوويّ جمود على ظاهر لفظ الحديث، وإلا فيحتمل حمله على المعنى، فإنه قد يُعبّر بالحمل على الظهر، أو العنق عن المعاني، دون الذوات، فيقال: حمل فلان على ظهره، أو على عنقه ذنبًا، أو نحو ذلك، ليكون المعنى في قوله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "فشرّ تضعونه عن رقابكم"، إنكم تستريحون من نظر من لا خير فيه، أو من مجالسته، ونحو ذلك، فلا يكون في الحديث دليل على ردّ قول هذا القائل، ويقوّي هذا الاحتمال أن كلّ حاضري الميت لا يحملونه، إنما يحمله القليل منهم، لا سيّما اليوم، فإنما يحمله في الغالب مَن لا تعلّق له به. انتهى (١).

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ويؤيده -يعني كلام الفاكهيّ- حديث ابن عمر - رضي اللَّه عنهما -، قال: سمعت رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم - يقول: "إذا مات أحدكم، فلا تحبسوه، وأسرعوا به إلى قبره". أخرجه الطبرانيّ بإسناد حسن، ولأبي داود من حديث حصين بن وحوح، مرفوعًا: "لا ينبغي لجيفة مسلم أن تبقى بين ظهراني أهله … " الحديث. انتهى (٢). وقال ابن قدامة -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا الأمر بالإسراع للاستحباب، بلا خلاف بين العلماء، وشذّ ابن حزم، فقال بوجوبه انتهى.

قال الجامع - عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أنه لا وجه للردّ على ابن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ

تَعَالَى-، لأن ظاهر النصّ معه، إذ هو أمر، والأمر للوجوب، إلا لدليل، ولا دليل ذكروه هنا، إلا دعوى الإجماع الذي أشار إليه، فإن صحّ فذاك، وإلا فما قاله ابن حزم هو الحقّ، فتنبّه. واللَّه تعالى أعلم.

(فَإِنْ تَكُ) هو في الموضعين بحذف النون، والأصل "تكون"، فدخل الجازم، فأسكن النون، فاجتمع ساكنان، الواو والنون، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين، ثم حذفت النون تخفيفًا لكثرة الاستعمال، وإلى هذا أشار ابن مالك في "الخلاصة" بقوله:

وَمِنْ مُضَارعٍ لِكَانَ مُنْجَرِمْ … تُحْذَفُ نُون وَهْوَ حَذْفٌ مَا الْتُزِمْ

واسم "كان" المستترة يعود إلى الجنازة بمعنى الجثّة المحمولة، قال الطيبيّ: جُعلت الجنازة عين الميت، وجُعلت الجنازة التي هي مكان الميت مقدّمة إلى الخير الذي كُني به عن عمله الصالح انتهى (صَالِحَةً) خبر "كان" (فَخَيْرٌ) الظاهر أن التنوين فيه، وفي "شرّ" للتعظيم، أي خير عظيم، وشرّ عظيم.

قال العلامة ابن الملقّن -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: "خير"، و"شرّ" فيه إعرابان:


(١) - "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" ج ٤ ص ٤٦٩ - ٤٧٠.
(٢) - "فتح" ج ٣ ص ٥٣٩.