للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

إلى الأسباب العاديّة، وإن كنتُ آخذا بها، فإن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل، وإنما ينافيه الاعتماد عليها (وَبِكَ آمنْتُ") أي صدّقت بك، وبكلّ ما أخبرت، وأمرت، ونهيت. زاد في رواية الشيخين: "وإليك أنبت"، أي أطلعت، ورجعت إلى عبادتك، أي أقبلت عليها، وقيل: معناه رجعت إليك. قاله النووي -رحمه اللَّه تعالى-. قال المصنف -رَحِمَهُ اللَّهُ- (ثُمَّ) بعد أن ذكر هذه الأشياء (ذَكَرَ قُتَيْبَةُ كَلِمَةً) الظاهر أن المراد بالكلمة الجمل الآتية (مَعْنَاهَا: "وَبِكَ خَاصَمْتُ) أي بما أعطيتني من البراهين والقوّة، وبما لقّنتني من الحجج خاصمت من عاند فيك، وكفر بك، وقمعتُهُ بالحجة والسيف (وَإلَيْكَ حَاكَمْتُ) أي رفعت أمري إليك، والمحاكمة رفع الأمر إلى القاضي. وقال النووي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أي كلُّ من جحد الحقّ حاكمته إليك، وجعلتك الحَكَم بيني وبينه، لا غيرك، مما كانت تتحاكم إليه الجاهلية، وغيرهم، من صنم، وكاهن، ونار, وشيطان، وغيرها، فلا أرضى إلا بحكمك، ولا أعتمد غيره انتهى.

وقال في "الفتح": قدّم مجموع صلات هذه الأفعال عليها إشعارًا بالتخصيص، وإفادةً للحصر، وكذا قوله: "ولك الحمد" انتهى.

(اغْفِرْ لِي) وفي رواية الشيخين: "فاغفر لي"، قال ذلك مع كونه مغفورًا له إما على سبيل التواضع، والهضم لنفسه، وإجلالا، وتعظيمًا لربّه، أو على سبيل التعليم لأمته، لتقتدي به فيه، كذا قيل. والأولى أنه لمجموع ذلك، وإلا لو كان للتعليم فقط لكفى فيه أمرهم بأن يقولوا ذلك. أفاده في "الفتح" (مَا قَدَّمْتُ) أي قبل هذا الوقت (وَمَا أَخَّرْتُ) عنه (وَمَا أَعْلَنْتُ) هكذا نسخ "المجتبى" ليس فيها "وما أسررت"، والذي في "الكبرى":

"وما أسررت، وما أعلنت"، وهو الذي في "الصحيحين" وغيرهما، والظاهر أنه سقط سهوًا من بعض نُسّاخ "المجتبى". واللَّه تعالى أعلم.

والمعنى: اغفر لي ما أخفيت، وما أظهرت، أو ما حدّثتُ به نفسي، وما تحرّك به لساني، زاد في رواية عند البخاري: "وما أنت أعلم به مني"، وهو من ذكر العام بعد الخاصّ.

(أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ) قال المهلّب. أشار بذلك إلى نفسه؛ لأنه المقدَّم في البعث في الآخرة، والمؤخَّر في البعث في الدنيا. انتهى. وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قيل: معناه المنزِّل للأشياء منازلها، يقدّم ما يشاء، ويؤخّر ما يشاء، ويُعزّ من يشاء، وُيذلّ من يشاء، وجعل عباده بعضهم فوق بعض درجات. وقيل: هو بمعنى الأول، والآخر، إن كلّ متقدّم على متقدّم فهو قبله، وكلّ متأخّر على متأخر فهو بعده، ويكون المقدم والمؤخّر بمعنى الهادي، والمضلّ، قدّم من شاء لطاعته، لكرامته، وأخر من