للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

تصرّفا كليّا، مُلكًا، ومِلكًا، ظاهرا وباطنا، لا نزاع في مُلكه، ولا شريك له في مِلكه.

(وَمَنْ فِيهِنَّ) عبّر بـ "من" تغليبًا للعقلاء، لشرفهم، وإلا فهو ربّ كلّ شيء، ومليكه (وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ حَقٌّ) أي المتحقق الوجود الثابت بلا شكّ. وقال القرطبي: أي واجب الوجود، وأصله من حَقَّ الشيء: إذا ثبتَ، ووجبَ، ومنه قوله تعالى: {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ} الآية [الزمر: ١٩]، وقوله: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} الآية [السجدة: ١٣]، أي ثَبَت، ووجب.

وهذا الوصف للَّه سبحانه وتعالى بالحقيقة والخصوصية، لا ينبغي لغيره، إذ وجوده لنفسه، فلم يسبقه عدم، ولا يلحقه عدم، وما عداه ممن يقال عليه هذا الاسم، مسبوق بعدم، ويجوز عليه لَحَاق العدم، ووجوده من مُوجده، لا من نفسه، وباعتبار هذا المعنى كان أصدقَ كلمة قالها الشاعر كلمةُ لبيد: [من الطويل]

أَلَا كُلُّ شَيْء مَا خلَا اللَّهَ بَاطِلُ

وإليه الإشارة بقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: ٨٨] انتهى. وقال ابن التين: يحتمل أن يكون معناه. أنت الحقّ بالنسبة إلى من يدّعى فيه أنه إله، أو بمعنى أن من سمّاك إلها فقد قال الحق انتهى.

(وَوَعْدُكَ حَقٌّ) أي صادق لا يمكن التخلّف فيه، وفي رواية البخاري: "ووعدك الحقّ" بالتعريف، قال في "الفتح": وعرّفه، ونكّر ما بعده، لأن وعده مختصّ بالإنجاز، دون وعد غيره، والتنكير في البواقي للتعظيم قاله الطيبيّ. زاد في رواية الشيخين "ولقاءك حقّ" وهو عبارة عن مآل الخلق في الدار الآخرة بالنسبة إلى الجزاء على الأعمال، وفيه الإقرار بالبعث بعد الموت. وقيل معنى "لقاؤك حقّ": أي الموت، وأبطله النووي. وزاد أيضًا: "وقولك حقّ" أي مدلوله ثابت.

(وَالجَنَّةُ حَقٌّ) هذا وما بعده داخل تحت الوعد، لكن الوعد مصدر، وما بعده هو الموعود به، ويحتمل أن يكون من عطف الخاصّ على العامّ (وَالنَّارُ حَقٌّ) فيه إشارة إلى أن الجنة والنار موجودتان الآن (وَالسَّاعَةُ حَقٌّ) أي يوم القيامة آتية لا ريب فيها، وأصل "الساعة" القطعة من الزمان، لكن لما لم يكن هناك كواكب تُقدَّر بها الأزمان، سمّيت بذلك.

وإطلاق اسم الحقّ على هذه الأمور كلها معناه أنها لابدّ من كونها، وأنها مما ينبغي أن يصدق بها، وتكرارُ الحقّ في تلك المواضع على جهة التأكيد، والتفخيم، والتعظيم لها انتهى. (وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ) - صلى اللَّه عليه وسلم - (حَقٌّ) خصّه بالذكر تعظيما له، وعطفه على النبيين إيذانًا بالتغاير بأنه فائق عليهم بأوصاف مختصّة به، فإن تغاير الوصف ينزّل منزلة تغاير الذات.

(لَكَ أَسْلَمْتُ) أي انقدت، وخضعت (وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ) أي فوضت أمري إليك، لا