هذا من فلان العالم ذاك طالب الدنيا وهذا زاهد لا يأكل عنبة ولا رطبة ولا يتزوج قط جهلا منهم بفضل العلم على الزاهد ويثارا للمتزهدين على شريعة محمد بن عبد الله ﷺ ومن نعمة الله ﷾ على هؤلاء أنهم لم يدركوا رسول الله ﷺ إذ لو رأوه يكثر التزويح ويصطفى السبايا ويأكل لحم الدجاج ويحب الحلوى والعسل لم يعظم في صدورهم.
فصل: ومن تلبيسه عليهم قدحهم في العلماء بتناول المباحات وذلك من أقبح الجهل وأكثر ميلهم إلى الغرباء فهم يؤثرون الغريب على أهل بلدهم ممن قد خبروا أمره وعرفوا عقيدته فيميلون إلى الغريب ولعله من الباطنية وإنما ينبغي تسليم النفوس إلى من خبرت معرفته قال الله ﷿: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ ومن الله سبحانه في إرسال محمد ﷺ
فصل: وقد يخرج بالعوام تعظيم المتزهدين إلى قبول دعاويهم وإن خرقوا الشريعة وخرجوا عن حدودها فترى المتنمس يقول للعامي أنت فعلت بالأمس كذا وسيجري عليك كذا فيصدقه ويقول هذا يتكلم على الخاطر ولا يعلم أن ادعاء الغيب كفر ثم يرون من هؤلاء المتنمسين أمورا لا تحل كمؤاخاة النساء والخلوة بهن ولا ينكرن ذلك تسليما لهم أحوالهم.
فصل: ومن تلبيسه على العوام اطلاقهم أنفسهم في المعاصي فإذا وبخوا تكلموا كلام الزنادقة فمنهم من يقول لا أترك نقدا لنسيئة ولو فهموا لعلموا أن هذا ليس بنقد لأنه محرم وإنما يخير بين النقد والنسيئة المباحين فمثلهم كمثل محموم جاهل يأكل العسل فإذا عوتب قال الشهوة نقد والعافية نسيئة ثم لو عملوا حقيقة الإيمان لعلموا أن تلك النسيئة وعد صادق لا يخلف ولو عملوا عمل التجار الذين يخاطرون بكثير من المال لما يرجونه من الربح الليل لعلموا أن ما تركوه قليل وما يرجونه كثير ولو أنهم ميزوا بين ما آثروا وما أفاتوا أنفسهم لرأوا تعجيل ما تعجلوا إذ فاتهم الربح الدائم وأوقعهم في العذاب الذي هو الخسران المبين الذي لا يتلافى ومنهم