للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحياء عن وجهه وإنما أعجب من البهائم الحاضرين كيف سكتوا عن الإنكار عليه ولكن الشريعة بردت في قلوب كثير من الناس وأخبرنا أبو القاسم الحريري أنبأنا أبو الطيب الطبري قال بلغني عن هذه الطائفة التي تسمع السماع أنها تضيف إليه النظر إلى وجه الأمرد وربما زينته بالحلى والمصبغات من الثياب والحواشي وتزعم أنها تقصد به الازدياد في الإيمان بالنظر والاعتبار

والاستدلال بالصنعة على الصانع وهذه النهاية في متابعة الهوى ومخادعة العقل ومخالفة العلم قال الله تعالى: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ وقال: ﴿أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ وقال: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ فعدلوا عما أمرهم الله به من الاعتبار إلى ما نهاهم عنه وإنما تفعل هذه الطائفة ما ذكرناه بعد تناول الألوان الطيبة والمآكل الشهية فإذا استوفت منها نفوسهم طالبتهم بما يتبعها من السماع والرقص والاستمتاع بالنظر إلى وجوه المرد ولو أنهم تقللوا من الطعام لم يحنوا إلى سماع ونظر قال أبو الطيب وقد أخبر بعضهم في شعره عن أحوال المستمعين للغناء وما يجدونه حال السماع فقال:

أتذكر وقتنا وقد اجتمعنا … على طيب السماع إلى الصباح

ودارت بيننا كأس الأغاني … فأسكرت النفوس بغير راح

فلم نر فيهم إلا نشاوى … سرورا والسرور هناك صاحي

إذا لبى أخو اللذات فيه … منادى اللهو حي على الفلاح

ولم نملك سوى المهجات شيئا … أرقناها لألحاظ ملاح

قال فإذا كان السماع تأثيره في قلوبهم ما ذكره هذا القائل فكيف يجدي السماع نفعا أو يفيد فائدة قال ابن عقيل قول من قال لا أخاف من رؤية الصور المستحسنة ليس بشيء فإن الشريعة جاءت عامة الخطاب لا تميز الأشخاص وآيات القرآن تنكر هذه الدعاوى قال الله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ وقال: ﴿أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ﴾ فلم يحل النظر إلا على صور لا ميل للنفس إليها ولاحظ فيها بل عبرة لا يمازجها شهوة ولا تعتريها لذة فأما صور الشهوات فإنها تعبر عن العبرة بالشهوة وكل صورة ليست بعبرة لا ينبغي أن ينظر إليها لأنها قد تكون سببا للفتنة

<<  <   >  >>