للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بكر الصديق قال حين أمر بترك الكسب لأجل شغله بالخلافة فمن أين أطعم عيالي وهذا القول منكر عند الصوفية يخرجون قائله من التوكل وكذلك ينكرون على من قال هذا الطعام يضرني وقد رووا في ذلك حكاية عن أبي طالب الرازي قال حضرت مع أصحابنا في موضع فقدموا اللبن وقال لي كل فقلت لا آكله فانه يضرني فلما كان بعد أربعين سنة صليت يوما خلف المقام ودعوت الله ﷿ وقلت اللهم إنك تعلم أني ما أشركت بك طرفة عين فسمعت هاتفا يهتف بي ويقول ولا يوم اللبن.

قال المصنف: وهذه الحكاية الله أعلم بصحتها واعلم أن من يقول هذا يضرني لا يريد أن يفعل ذلك الضرر بنفسه وإنما يريد أنه سبب الضرر كما قال الخليل صلوات الله وسلامه عليه ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ﴾ وقد صح عن رسول الله أنه قال: "ما نفعني مال كمال أبي بكر" وقوله ما نفعي مقابل لقول القائل ما ضرني ويصح عنه أنه قال: "ما زالت أكلة خيبر تعادني فهذا أو أن قطعت أبهري (١) " وقد ثبت أنه لا رتبة أولى من رتبة النبوة وقد نسب النفع إلى المال والضرر إلى الطعام فالتحاشي عن سلوك طريقه تعاط على الشريعة فلا يلتفت إلى هذيان من هذى في مثل هذا.

فصل: قال المصنف: وقد بينا أنه كان أوائل الصوفية يخرجون من أموالهم زهدا فيها وذكرنا أنهم قصدوا بذلك الخير إلا أنهم غلطوا في هذا الفعل كما ذكرناه من مخالفتهم بذلك

الشرع والعقل فأما متأخروهم فقد مالوا إلى الدنيا وجمع المال من أي وجه كان إيثارا للراحة وحبا للشهوات فمنهم من يقدر على الكسب ولا يعمل ويجلس في الرباط أو المسجد ويعتمد على صدقات الناس وقلبه معلق بطرق الباب ومعلوم أن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرة (٢) سوى ولا يبالون من بعث إليهم فربما بعث الظالم والماكس فلم يردوه وقد وضعوا في ذلك بينهم كلمات منها تسمية ذلك بالفتوح ومنها أن رزقنا لا بد أن يصل إلينا ومنها أنه من الله فلا


(١) الأبهر عرق في الظهر فإذا انقطع لم تبق معه حياة وتعادني بالدال المشددة تأتيني المرة بعد المرة.
(٢) المرة بكسر الميم القوة.

<<  <   >  >>