للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أصلي ركعتين أحد قوابي واضطلع رجل في وجهي فقلت في نفسي كم بقاء قلبي على هذا فأخذت جرابي ورجعت بعرفي وعنائي إلى سبج فما رجعت إلى قلبي سنتين.

فصل: ومن الزهاد من يلبس الثوب المخرق ولا يخيطه ويترك إصلاح عمامته وتسريح لحيته ليرى أنه ما عنده من الدنيا خير وهذا من أبواب الرياء فان كان صادقا في إعراضه عن أغراضه كما قيل لداود الطائي ألا تسرح لحيتك فقال إني عنها لمشغول فليعلم أنه سلك غير الجادة إذ ليست هذه طريقة الرسول ولا أصحابه فانه كان يسرح شعره وينظر في المرآة ويدهن ويتطيب وهو أشغل الخلق بالآخرة وكان أبو بكر وعمر يخضبان بالحناء والكتم وهما أخوف الصحابة وأزهدهم فمن أدعى رتبة تزيد على السنة وأفعال الأكابر لم يلتفت إليه.

فصل ومن الزهاد من يلزم الصمت الدائم وينفرد عن مخالطة أهله فيؤذيهم بقبح أخلاقه وزيادة انقباضه وينسى قول النبي : "إن لأهلك عليك حقا" وقد كان رسول الله يمزح فيلاعب الأطفال ويحدث أزواجه وسابق عائشة إلى غير ذلك من الأخلاق اللطيفة فهذا المتزهد الجاعل زوجته كالآيم وولده كاليتيم لانفراده عنهم وقبح أخلاقه لأنه يرى أن ذلك يشغله عن الآخرة ولا يدري لقلة علمه أن الانبساط إلى الأهل من العون على الآخرة وفي الصحيحين أن النبي قال لجابر هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك وربما غلب على هذا المتزهد التجفف فترك مباضعة الزوجة فيضيع فرضا بنافلة غير ممدوحة.

فصل: ومن الزهاد من يرى عمله فيعجبه فلو قيل له أنت من أوتاد الأرض رأى ذلك حقا ومنهم من يترصد لظهور كرامته ويخيل إليه أنه لو قرب من الماء قدر أن يمشي عليه فإذا

عرض له أمر فدعا فلم يجب تذمر في باطنه فكأنه أجير يطلب أجر عمله ولو رزق الفهم لعلم أنه عبد مملوك والمملوك لا يمن بعمله ولو نظر إلى توفيقه للعمل لرأى وجوب الشكر فخاف من التقصير فيه وقد كان ينبغي أن يشغله خوفه على العمل من التقصير فيه عن النظر إليه كما كانت رابعة تقول أستغفر الله من قلة صدقي في قولي وقيل لها هل عملت عملا ترين أنه يقبل منك فقالت إذا كان فمخافتي أن يرد علي.

<<  <   >  >>