صرفك به وفي رواية أخرى عن وهب أنه لما أقبل الملك قدم الرجل طعامه فجعل يجمع البقول في اللقمة الكبيرة ويغمسها في الزيت فيأكل أكلا عنيفا فقال له الملك كيف أنت يا فلان فقال كالناس فرد الملك عنان دابته وقال ما في هذا من خير فقال الحمد لله الذي أذهبه عني وهو لائم لي وبإسناد عن عطاء قال أراد أبو الوليد بن عبد الملك أن يولي يزيد بن مرثد فبلغ ذلك يزيد فلبس فروة فجعل الجلد على ظهره والصوف خارجا وأخذ بيده رغيفا وعرقا وخرج بلا رداء ولا قلنسوة ولا نعل ولا خف فجعل يمشي في الأسواق ويأكل فقيل للوليد إن يزيد قد اختلط وأخبر بما فعل فتركه ومثل هذا كثير.
فصل: ومن الزهاد من يستعمل الزهد ظاهرا وباطنا لكنه قد علم أنه لا بد أن يتحدث بتركه للدنيا أصحابه أو زوجته فيهون عليه الصبر كما هان على الراهب الذي ذكرنا قصته مع إبراهيم بن أدهم ولو أنه أراد الإخلاص في زهده لأكل مع أهله قدر ما ينمحي به جاه النفس ويقطع الحديث عنه فقد كان داود بن أبي هند صام عشرين سنة ولم يعلم به أهله كان يأخذ غذائه ويخرج إلى السوق فيتصدق به في الطريق فأهل السوق يظنون أنه قد أكل في البيت وأهل البيت يظنون أنه قد أكل في السوق هكذا كان الناس.
فصل: ومن المتزهدين من قوته الانقطاع في مسجد أو رباط أو جبل فلذته علم الناس بانفراده وربما احتج لانقطاعه باني أخاف أن أرى في خروجي المنكرات وله في ذلك مقاصد منها الكبر واحتقار الناس ومنها أنه يخاف أن يقصروا في خدمته ومنها حفظ ناموسه ورياسته فان مخالطة الناس تذهب ذلك وهو يريد أن يبقى إطراؤه وذكره وربما كان مقصوده ستر عيوبه ومقابحه وجهله بالعلم فيرى هذا ويحب أن يزار ولا يزور ويفرح بمجيء الأمراء إليه واجتماع العوام على بابه وتقبيلهم يده فهو يترك عيادة المرضى وشهود الجنائز وبقول أصحابه أعذروا الشيخ فهذه عادته لا كانت عادة تخالف الشريعة ولو احتاج هذا الشخص إلى القوت ولم يكن عنده من يشتريه له صبر على الجوع لئلا يخرج لشراء ذلك بنفسه فيضيع جاهه لمشيه بين العوام ولو أنه خرج فاشترى حاجته لانقطعت عنه الشهرة ولكن في باطنه