آذاها إلا أن يكفها عن الشبع والشره وما يخاف عاقبته فان ذلك يفسدها فأما الكف المطلق فخطأ فافهم هذا ولا يلتفت إلى قول الحارث المحاسبي وأبي طالب المكي فيما ذكرا من تقليل المطعم ومجاهدة النفس بترك مباحاتها فان اتباع الشارع وصحابته أولى وكان ابن عقيل يقول ما أعجب أموركم في المتدين إما أهواء متبعة أو رهبانية مبتدعة بين تجرير أذيال المرح في الصبا واللعب وبين إهمال الحقوق وإطراح العيال واللحوق بزوايا المساجد فهلا عبدوا على عقل وشرع.
فصل: ومن تلبيسه عليهم أنه يوهمهم أن الزهد هو القناعة بالدون من المطعم
والملبس فحسب فهم يقنعون بذلك وقلوبهم راغبة في الرياسة وطلب الجاه فتراهم يترصدون لزيارة الأمراء إياهم ويكرمون الأغنياء دون الفقراء ويتخاشعون عند لقاء الناس كأنهم قد خرجوا من مشاهدة وربما رد أحدهم المال لئلا يقال قد بدا له من الزهد وهم من ترغد الناس إليهم وتقبيل أيديهم في أوسع باب من ولايات الدنيا لأن غاية الدنيا الرياسة.
فصل: وأكثر ما يلبس به إبليس على العباد والزهاد خفي الرياء فأما الظاهر من الرياء فلا يدخل في التلبيس مثل إظهار النحول وصفار الوجه وشعث الشعر ليستدل به على الزهد وك ٤ ذلك خفض الصوت لإظهار الخشوع وكذلك الرياء بالصلاة والصدقة ومثل هذه الظواهر لا تخفى وإنما نشير إلى خفي الرياء وقد قال النبي ﷺ: "إنما الأعمال بالنيات" ومتى لم يرد بالعمل وجه الله ﷿ لم يقبل قال مالك بن دينار قولوا لمن لم يكن صادقا لا تتعب.
وأعلم أن المؤمن لا يريد بعمله إلا الله ﷾ وإنما يدخل عليه خفي الرياء فيلبس الأمر فنجانه منه صعبة وفي الحديث مرفوعا عن يسار قال لي يوسف بن أسباط تعلموا صحة العمل من سقمه فاني تعلمته في اثنتين وعشرين سنة وفي الحديث مرفوعا عن إبراهيم الحنظلي قال سمعت بقية بن الوليد يقول سمعت إبراهيم بن أدهم يقول تعلمت المعرفة من راهب يقال له سمعان دخلت عليه في صومعته فقلت له يا سمعان منذ كم أنت في صومعتك هذه قال منذ سبعين سنة قلت ما طعمك قال يا حنيفي وما دعاك إلى هذا قلت أحببت أن أعلم قال في كل ليلة حمصة