للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قال ابن قدامة: أَنَّ الْأَمَانَ إذَا أُعْطِيَ أَهْلَ الْحَرْبِ، حَرُمَ قَتْلُهُمْ وَمَالُهُمْ وَالتَّعَرُّضُ لَهُمْ.

وَيَصِحُّ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ مُخْتَارٍ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا.

وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ: لَا يَصِحُّ أَمَانُ الْعَبْدِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ.

لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ، فَلَا يَصِحُّ أَمَانُهُ، كَالصَّبِيِّ، وَلِأَنَّهُ مَجْلُوبٌ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ، فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْظُرَ لَهُمْ فِي تَقْدِيمِ مَصْلَحَتِهِمْ.

أ- وَلَنَا، مَا رُوِيَ، عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ (ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ب- وَرَوَى فُضَيْلٍ بْنُ يَزِيدَ الرَّقَاشِيُّ، قَالَ: جَهَّزَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَيْشًا، فَكُنْت فِيهِ، فَحَصَرْنَا مَوْضِعًا، فَرَأَيْنَا أَنَّا سَنَفْتَحُهَا الْيَوْمَ، وَجَعَلْنَا نُقْبِلُ وَنَرُوحُ، فَبَقِيَ عَبْدٌ مِنَّا، فَرَاطَنَهُمْ وَرَاطَنُوهُ، فَكَتَبَ لَهُمْ الْأَمَانَ فِي صَحِيفَةٍ، وَشَدَّهَا عَلَى سَهْمٍ، وَرَمَى بِهَا إلَيْهِمْ، فَأَخَذُوهَا، وَخَرَجُوا، فَكُتِبَ بِذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ذِمَّتُهُ ذِمَّتُهُمْ.

رَوَاهُ سَعِيدٌ.

ج- وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ، فَصَحَّ أَمَانُهُ، كَالْحُرِّ.

وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ التُّهْمَةِ يَبْطُلُ بِمَا إذَا أُذِنَ لَهُ الْقِتَالِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَمَانُهُ، وَبِالْمَرْأَةِ، فَإِنَّ أَمَانَهَا يَصِحُّ، فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا

قَالَتْ عَائِشَةُ: إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَتُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَجُوزُ.

وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَجَرْت أَحْمَائِي، وَأَغْلَقْت عَلَيْهِمْ، وَإِنَّ ابْنَ أُمِّي أَرَادَ قَتْلَهُمْ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت يَا أُمَّ هَانِئٍ، إنَّمَا يُجْهِرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ).

وَأَجَارَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ، فَأَمْضَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. (المغني).

• هل يصح أمان الصبي المميز؟

قال ابن قدامة: فَأَمَّا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: فِيهِ رِوَايَتَانِ:

إحْدَاهُمَا: لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ.

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ.

لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ بِقَوْلِهِ حُكْمٌ، فَلَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ، كَالْمَجْنُونِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يَصِحُّ أَمَانُهُ.

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>