قال في "عون المعبود: فيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّج بِمَنْ ظَهَرَ مِنْهَا الزِّنَا، وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ الْآيَة الْمَذْكُورَة فِي الْحَدِيث لِأَنَّ فِي آخِرهَا: (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) فَإِنَّهُ صَرِيح فِي التَّحْرِيم" انتهى
قال السعدي رحمه الله في تفسير الآية السابقة: هذا بيان لرذيلة الزنا، وأنه يدنس عرض صاحبه، وعرض من قارنه ومازجه، ما لا يفعله بقية الذنوب. فأخبر أن الزاني لا يقدم على نكاحه من النساء، إلا أنثى زانية، تناسب حالُه حالَها، أو مشركةٌ بالله، لا تؤمن ببعث ولا جزاء، ولا تلتزم أمر الله. والزانية كذلك، لا ينكحها إلا زان أو مشرك (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أي: حرم عليهم أن يُنْكِحوا زانيا، أو يَنْكِحوا زانية.
ومعنى الآية: أن من اتصف بالزنا، من رجل أو امرأة، ولم يتب من ذلك، أن المقدم على نكاحه، مع تحريم الله لذلك، لا يخلو إما أن لا يكون ملتزما لحكم الله ورسوله، فذاك لا يكون إلا مشركا. وإما أن يكون ملتزما لحكم الله ورسوله، فأقدم على نكاحه مع علمه بزناه، فإن هذا النكاح زنا، والناكح زان مسافح. فلو كان مؤمنا بالله حقا، لم يقدم على ذلك.
وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية، حتى تتوب، وكذلك نكاح الزاني حتى يتوب. فإن مقارنة الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها، أشد الاقترانات، والازدواجات. وقد قال تعالى: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ) أي: قرناءهم. فحرم الله ذلك، لما فيه من الشر العظيم. وفيه من قلة الغيرة، وإلحاق الأولاد، الذين ليسوا من الزوج، وكون الزاني لا يعفها بسبب اشتغاله بغيرها، مما بعضه كاف في التحريم" انتهى.
القول الثاني: أنه يجوز نكاح الزانية قبل توبتها.
وهو مذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية.
أ- لأن المولى عز وجل بعد من ذكر المحرمات من النساء قال (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاء ذَلِكُم).
• ما حكم نكاح الزانية بعد توبتها؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يحل نكاحها لمن زنا بها ولغيره.
وهذا هو قول الجمهور من العلماء وهو مذهب الأئمة الأربعة.
أ- لقوله تعالى (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (٦٩) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً (٧٠) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً).
وجه الدلالة:
أولاً: أن الله عز وجل صرح بأن الذين يزنون ومن ذكر معهم، إن تابوا وآمنوا وعملوا الصالحات، فإن الله يتوب عليهم، ويبدل سيئاتهم حسنات.
ثانياً: إن القرآن الكريم ذكر أنه تقبل التوبة من الشرك وهو أعظم الذنوب، فلأن يقبل التوبة من الزنا من باب أولى وأحرى.