• وذهب بعض العلماء وهو مذهب الحنفية إلى أنه لا يشترط الولي.
قالوا: قياساً على البيع.
والصحيح مذهب الجمهور، ويرجح ذلك عدة أمور:
أولاً: أن اشتراط الولي فيه صيانة للمرأة عما يشعر في وقاحتها وميلها إلى الرجال.
ثانياً: أن الرجال أقدر من النساء على البحث عن أحوال الخاطب، فإن المرأة قاصرة في فعلها وفي اختيارها، فقد لا توفق للرجل الكفء.
ثالثاً: أن اشتراط الولي فيه مزيد إعلان للنكاح.
رابعاً: أن ارتباط المرأة بالرجل الذي تختاره، ليس شأناً خاصاً بها، وإنما يهم الموضوع أباها وأخاها بل والأسرة بأكملها.
وأما قياسهم على البيع فهذا قياس لا يصح لأمرين:
أولاً: هذا قياس باطل، لأنه في مقابلة النص.
ثانياً: لأن عقد النكاح أخطر من عقد البيع.
قال الحافظ في الفتح: وذهب أبو حنيفة إلى انه لا يُشترط الولي أصلاً، ويجوز أن تُزوِّج المرأةُ نفسها ولو بغير إذن وليها إذا تزوجت كفؤاً، واحتج بالقياس على البيع فإنها تستقل به، وحمل الأحاديث الواردة في اشتراط الولي على الصغيرة وخصّ بهذا القياس عمومها-وهو عمل سائغ في الأصول وهو جواز تخصيص العموم بالقياس-لكنّ حديث معقل المذكور رفع هذا القياس.
قال ابن قدامة: النكاح لا يصح إلا بولي ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها، ولا توكيل غير وليها في تزويجها فإن فعلت لم يصح النكاح.
روي هذا عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي هريرة، وعائشة -رضي الله عنهم- وإليه ذهب سعيد بن المسيب، والحسن، وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد، والثوري، وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، وابن المبارك، وعبيد الله العنبري، والشافعي، وإسحاق، وأبو عبيد.
تنبيه: احتجاج بعضهم بحديث (الثيب أحق بنفسها من وليها) لا حجة لهم فيه؛ لأن معناه كما قال النووي (أن لها في نفسها حقاً، ولوليها حقاً، وحقها أوكد من حقه، فإنه لو أراد تزويجها كفئاً وامتنعت لم تجبر).
ونقل صاحب عون المعبود عن ابن الجوزي قوله (إنه أثبت لها حقاً، وجعلها أحق؛ لأنه لا يجوز للولي أن يزوجها إلا بإذنها)
وقال الصنعاني (أحقيته الولاية، وأحقيتها رضاها، فحقها آكد من حقه، لتوقف حقه على إذنها) فتأويل الحنفية لهذا الحديث ترده الأخبار الصحيحة المفيدة لاشتراط الولي.