ومن مباحثه الحسنة: نقلت من خط بهاء الدين عبد الرحمن المقدسى: سئل شيخنا موفق الدين عن قول الخرقى: وإن أقر المحجور عليه بما يوجب حدا أو قصاصا، أو طلق زوجته لزمه ذلك. وإن أقر بدين لم يلزمه فى حال حجره، ما الفرق بينهما؟ فقال: الفرق بينهما: أن الإقرار بالدين إقرار بالمال، والمال محجور عليه فيه. فلو قبلنا إقراره فى المال أدى ذلك إلى فوات مصلحة الحجر، وهو أنه يقر لهذا بدين ولهذا. فيفوت عليه ماله. فلا يلزمه الإقرار فيه. وأما الإقرار بالحد والقصاص أو طلاق الزوجة: فإنه إقرار بشئ لم يحجر عليه فيه، فلزمه، كما لولده أن يحجر عليه. وأيضا فإنه إذا لزمه الإقرار فى الحد والقصاص أدى إلى فوات حقه. وإذا لزمه الإقرار فى المال أدى إلى فوات حقوق الغرماء.
فلزمه الإقرار على نفسه، ولم يلزمه فيما يعود إلى غيره.
فقيل له: على هذا: أن الاقرار بالحد أيضا يؤدى إلى فوات حقوق الغرماء فيما إذا كان الحاكم قد أخذه ليقضى دينه، على الرواية التى تقول: إنه إذا كان ذا صنعة، فإن الحاكم يؤجره ليقضى بقية دينه. ومع هذا فقد ألزمناه بالإقرار.
فقال: إنما يفوت ضمنا وتبعا. ويصير كما نقول فى الزوجة: إنها إذا أقرت بالحد أو القصاص لزمها، وإن فات حق الزوج.
فقيل له: فما تقول فى الحامل إذا أقرت بما يوجب حدا أو قصاصا، أليس إنه ينتظر بها حتى تلد؟ فقال: ههنا يمكن الجمع بين الحقين، بخلاف ما نحن فيه.
قلت: قد يقال فى صورة إيجار المفلس لوفاء بقية دينه: كان يمكن الجمع بين الحقين بتأخير استيفاء القصاص إلى أن يوفى الدين من كسبه.
وقد يجاب عنه بأن الحامل أخرت لئلا تزهق بالاستيفاء منها نفس معصومة.
فلا فرق بين أن يثبت الحد أو القصاص عليها بالإقرار أو البينة. وههنا لو ثبت الحد أو القصاص ببينة لم يؤخر إلى أن يوفى بقية الدين. فكذا إذا ثبت بالإقرار فإن التهمة فى مثل هذا منتفية.