ودفن يوم الخميس. وكان صلّى تلك الليلة المغرب بالجامع. ثم مضى إلى البيت، وكان صائما. فأفطر على شئ يسير. وحكى عنه: أنه لما جاءه الموت. جعل يقول: يا حى يا قيوم. لا إله إلا أنت، برحمتك أستغيث فأغثنى. واستقبل القبلة وتشهد ومات رحمه الله.
قال: ولما خرجت جنازته إلى الجامع اجتمع خلق كثير. فما رأيت الجامع إلا كأنه يوم الجمعة من كثرة الخلق. وتركت جنازته فى قبلة الجامع. وصلّى عليه الإمام موفق الدين شيخنا. وكان المعتمد يطرد الناس عنه، وإلا كانوا من كثرة من يتبرك به يخرقون الكفن. وازدحم الناس على جنازته بين يديها وخلفها حتى كاد بعض الناس يهلك، وخرج إلى الجبل خلق كثير. ما رأيت جنازة قط أكثر خلقا منها. وخرج القضاة والعدول ومن لا نعرفهم. وصلّى عليه غير مرة.
رحمه الله تعالى.
وقال سبط ابن الجوزى: غسل وقت السحر. وأخرجت جنازته إلى جامع دمشق، فما وسع الناس الجامع، وصلّى عليه الموفق بحلقة الحنابلة بعد جهد جهيد، وكان يوما لم ير فى الإسلام مثله. كان أول الناس عند مغارة الدم ورأس الجبل إلى الكهف، وآخرهم بباب الفراديس. ولولا المبارز المعتمد وأصحابه: لقطعوا أكفانه. وما وصل إلى الجبل إلى آخر النهار. قال: وتأملت الناس من أعلى قاسيون إلى الكهف قريب المنظور، لو رمى إنسان عليهم إبرة لما ضاعت.
فلما كان فى الليل نمت وأنا متفكر فى جنازته. وذكرت أبيات سفيان الثورى التى أنشدها فى المنام.
نظرت إلى ربى كفاحا، فقال لى … هنيئا رضائى عنك يا ابن سعيد
فقد كنت قواما إذا أقبل الدجى … بعبرة مشتاق وقلب عميد
فدونك، فاختر أى قصر أردته … وزرنى، فإنى منك غير بعيد
وقلت: أرجو أن العماد يرى ربه كما رآه سفيان عند نزول حفرته، ونمت