للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يجلس الحافظ بعد العصر. فلما كان بعض الأيام، والناصح قد فرغ من مجلسه.

وكان قد ذكر الإمام أحمد رحمه الله فى مجلسه - فدسوا إليه رجلا ناقص العقل من بيت ابن عساكر، فقال للناصح كلاما معناه: إنك تقول الكذب على المنبر، فضرب ذلك الرجل وهرب، فأتبع، فخبئ فى الكلاّسة، فتمت لهم المكيدة بهذه الواقعة، فمشوا إلى الوالى: وقالوا له: هؤلاء الحنابلة ما قصدهم إلا الفتنة، واعتقادهم يخالف اعتقادنا، ثم إنهم جمعوا كبراءهم، ومضوا إلى القلعة إلى الوالى، وقالوا: نشتهى أن يحضر الحافظ عبد الغنى. وكان مشايخنا قد سمعوا بذلك، فانحدروا إلى دمشق - خالى الإمام موفق الدين، وأخى الإمام أبى العباس أحمد البخارى، وجماعة الفقهاء، وقالوا: نحن نناظرهم، وقالوا للحافظ: اقعد أنت لا تجئ؛ فإنك حاد ونحن نكفيك. فاتفق أنهم أرسلوا إلى الحافظ من القلعة وحده فأحذوه، ولم يعلم أصحابنا بذلك، فناظروه. وكان أجهلهم يغرى به فاحتدّ وكانوا قد كتبوا شيئا من اعتقاداتهم وكتبوا خطوطهم فيه، وقالوا له: اكتب خطك، فلم يفعل، فقالوا للوالى: الفقهاء كلهم قد اتفقوا على شئ وهو يخالفهم.

وكان الوالى لا يفهم شيئا فاستأذنوه فى رفع منبره، فأرسلوا الأسرى فرفعوا ما فى جامع دمشق من منبر وخزانة ودرابزين، وقالوا: نريد أن لا يجعل فى الجامع إلا صلاة أصحاب الشافعى، وكسروا منبر الحافظ، ومنعوه من الجلوس، ومنعوا أصحابنا من الصلاة فى مقامهم فى الجامع، ففاتهم صلاة الظهر. ثم إن الناصح ابن الحنبلى جمع السوقة وغيرهم، وقال: إن لم يخلونا نصلى باختيارهم صلينا بغير اختيارهم. فبلغ ذلك القاضى - وهو كان صاحب الفتنة - فأذن لهم بالصلاة، وخاف أن يصلى بغير إذنه. وكان الحنفية قد حموا مقصورتهم بالجند.

ثم إن الحافظ ضاق صدره، ومضى إلى بعلبك، فأقام بها مدة يقرأ الحديث.

وكان الملك العادل فى بلاد الشرق، فقال أهل بعلبك للحافظ: إن اشتهيت جئنا معك إلى دمشق نؤذى من آذاك، فقال: لا، ثم إنه توجه إلى مصر، ولم يعلم أصحابنا بسفره، فبقى مدة بنابلس يقرأ الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>