وقال ابن القطيعى: انتفع الناس بكلامه، فكان يتوب فى المجلس الواحد مائة وأكثر فى بعض الأيام. وكان يجلس بجامع المنصور يوما أو يومين فى السنة.
فتغلق المحال، ويحرز الجمع بمائة ألف.
قرأت بخط الإمام ناصح الدين بن الحنبلى الواعظ فى حق الشيخ أبى الفرج:
اجتمع فيه من العلوم ما لم يجتمع فى غيره. وكانت مجالسه الوعظية جامعة للحسن والإحسان باجتماع ظراف بغداد، ونظاف الناس، وحسن الكلمات المسجعة والمعانى المودعة فى الألفاظ الرائجة، وقراءة القرآن بالأصوات المرجعة، والنغمات المطربة، وصيحات الواجدين، ودمعات الخاشعين، وإنابة النادمين، وذل التائبين، والإحسان بما يفاض على المستمعين، من رحمة أرحم الراحمين.
ووعظ وهو ابن عشر سنين إلى أن مات، ولم يشغله عن الاشتغال بالعلم شاغل، ولا لعب ولا لها، ولا سافر إلا إلى مكة. ولقد كان فيه جمال لأهل بغداد خاصة، وللمسلمين عامة، ولمذهب أحمد منه ما لصخرة بيت المقدس من المقدس. حضرت مجالسه الوعظية بباب بدر عند الخليفة المستضئ، ومجالسه بدرب دينار فى مدرسته ومجالسه بباب الأزج على شاطئ دجلة، وسمعت عليه مناقب الإمام أحمد، وبعثت إليه من دمشق، فنقل سماعى بخطه وسيره إلىّ، وحضرت معه فى دعوتين. فكان طيب النفس على الطعام. وكانت مجالسه أكثر فائدة من مجالسته.
وذكره الحافظ ابن الدبيثى فى ذيله على تاريخ ابن السمعانى، فقال: شيخنا الإمام جمال الدين بن الجوزى صاحب التصانيف فى فنون العلم: من التفاسير، والفقه، والحديث، والوعظ، والرقائق، والتواريخ، وغير ذلك. وإليه انتهت معرفة الحديث وعلومه. والوقوف على صحيحه من سقيمه. وله فيه المصنفات من المسانيد والأبواب والرجال. ومعرفة ما يحتج به فى أبواب الأحكام والفقه، وما لا يحتج به من الأحاديث الواهية الموضوعة. والانقطاع والاتصال. وله فى الوعظ العبارة الرائقة. والإشارات الفائقة. والمعانى الدقيقة. والاستعارة الرشيقة.