وتترك ما عنيت به زمانا … وتنقل من غناك إلى افتقارك
فدود القبر فى عينيك يرعى … وترعى عين غيرك فى ديارك!
فجعل المستضئ يمشى فى قصره ويقول: أى والله: وترعى عين غيرك فى ديارك! ويكررها ويبكى حتى الليل.
وحاصل الأمر: أن مجالسه الوعظية لم يكن لها نظير، ولم يسمع بمثلها.
وكانت عظيمة النفع، يتذكر بها الغافلون، ويتعلم منها الجاهلون، ويتوب فيها المذنبون، ويسلم فيها المشركون. وقد ذكر فى تاريخه: أنه تكلم مرة، فتاب فى المجلس على يده نحو مائتى رجل، وقطعت شعور مائة وعشرين منهم.
وقال فى آخر كتاب القصاص، والمذكرين له: ما زلت أعظ الناس وأحرضهم على التوبة والتقوى، فقد تاب على يدى إلى أن جمعت هذا الكتاب أكثر من مائة ألف رجل: وقد قطعت من شعور الصبيان اللاهين أكثر من عشرة آلاف طائلة. وأسلم على يدى أكثر من مائة ألف.
قال: ولا يكاد يذكر لى حديث إلا ويمكننى أن أقول: صحيح، أو حسن أو محال. ولقد أقدر على أن أرتجل المجلس كله من غير ذكر محفوظ، وربما قرئت عندى فى المجلس خمسة عشرة آية، فآتى على كل آية بخطبة تناسبها فى الحال.
وقال سبطه أبو المظفر: أقل ما كان يحضر مجلسه عشرة آلاف، وربما حضر عنده مائة ألف، وأوقع الله فى القلوب القبول والهيبة. وكان زاهدا فى الدنيا، متقللا منها، وسمعته يقول على المنبر فى آخر عمره: كتبت بإصبعىّ هاتين ألفى مجلدة، وتاب على يدى مائة ألف، وأسلم على يدى عشرون ألف يهودى ونصرانى.
قال: وكان يختم القرآن فى كل سبعة أيام، ولا يخرج من بيته إلا إلى الجامع للجمعة وللمجلس. وما مازح أحدا قط، ولا لعب مع صبى، ولا أكل من جهة لا يتيقّن حلّها. وما زال على ذلك الأسلوب حتى توفاه الله تعالى.