وأما ابن تيمية: فهو تلميذ تلميذه أبى بكر محمد بن الحلاوى. وقد جمع بعض فضلاء أصحابه له سيرة طويلة. وهو أبو محمد عبد الرحمن بن عيسى البزورى الواعظ. وقفت على بعضها مما ذكره فيها.
قال: وكان رحمه الله كثير الذكر والتلاوة للقرآن لا سيما فى الليل، مكرما للصالحين، محبّا لهم، ليس فيه تيه الفقهاء، ولا عجب العلماء. إن مرض أحد من تلامذته ومعارفه عاده، أو كانت لهم جنازة شيعها ماشيا غير راكب، على كبر السن، وضعف البنية. زاهدا فى الدنيا، يقنع منها بالبلغة، وإذا جاءه فتوح أو جائزة من بيت المال وزعها بين أصحابه، وإن ناله منها شئ أعاده عليهم فى غضون الأيام.
قال: ولقد حدثنى من أثق به من أصحابنا: أنه جاءته صلة من بعض الصدور نحو أربعين دينارا، ففرقها فى يومه بين أهله وأصحابه، وما أخذ منها شيئا. فلما كان آخر النهار قال لى: يا فلان، لو كنا عزلنا من ذاك الذهب قيراطين للحمام؟ وكان قوته كل يوم قرصين، وربما لم يغنهما.
وقال لى بعض أصحابه: إنه يستفضل منهما بعض الأيام ما يدفعه إلى السقا.
وكان معظم إدامه: أن يشترى له برنيف ماء الباقلاّ. وما رأيته جعل عليه دهنا قط، راضيا بذلك مع قدرته.
وكان يخدم نفسه بنفسه، لا يثقل على أحد من أصحابه، ولا يكلفهم شيئا.
اللهم إلا أن يعتمد على يد أحدهم فى الطريق. ولقد كنا عنده يوما جماعة من أصحابه، فأوذن بالصلاة، فنهض بنفسه فاستقى الماء للتطهير، وما ترك أحدا منا ينوبه فى ذلك، ولقد قدمت له نعله يوما، فشق عليه، وجعل يقول: إيش هذا؟ إيش هذا؟ مثلك لا نسامحه فى هذا.
وسئل عنه الشيخ موفق الدين المقدسى؟ فقال: شيخنا أبو الفتح كان رجلا صالحا، حسن النية والتعليم. وكانت له بركة فى التعليم. قلّ من قرأ عليه