رخَّص أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين في المزاح، لكنهم جعلوا له قيودًا وشروطًا تضبطه حتى لا ينفتح بابه على مصراعيه فيفضي إلى محرم أو منهي عنه، كإثارة العداوة وإلهاب الضغينة، وما يوصل إلى التقاطع والتدابر وهجر الإخوان، وقطع الرحم، وكذلك القول الباطل، من كذب وسخرية واستهزاء وتنقص من الآخرين في الخُلُق والسلوك وغيره وأعظم من ذلك التنقص منهم في الخَلق والصورة، وبالجملة فما أفضى إلى محرم فهو محرم سدًّا لباب الذريعة وحسمًا لمادة الحظر، وعملًا بما هو أحوط.
نبَّهَ على هذا المعنى الإمام النووي - رحمه الله - فقال:
«اعلم أن المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه، فإنه يورث الضحك وقسوة القلب وشغْلًا عن ذكر الله والفِكْر في مهمات الدين، ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء، ويورث الأحقاد، ويسقط المهابة والوقار، فأما إن سلم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعله على النُّدْرَةِ لمصلحة تطييب نفس المخاطب ومؤانسته، وهو سُنَّة مستحبَّة،