وساق ابنُ عطية (٣/ ١٦٨) خلاف المفسرين في سبب نزول الآية وفيمن عني بها، ثم بيَّن أنّ ترتيب معنى الآية بحسب أقوالهم يحتمل احتمالين: الأول: أن يكون المعنى: يا أيها الرسول لا يحزنك المسارعون في الكفر من المنافقين ومن اليهود، ويكون قوله: {سَمّاعُونَ} خبر ابتداء مضمر. الثاني: أن يكون المعنى: لا يحزنك المسارعون في الكفر من اليهود ووصفهم بأنهم {قالُوا آمَنّا بِأَفْواهِهِمْ ولَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ} إلزامًا منه ذلك لهم من حيث حرَّفوا توراتهم وبدَّلوا أحكامها، فهم يقولون بأفواههم نحن مؤمنون بالتوراة وبموسى، وقلوبهم غير مؤمنة من حيث بدلوها وجحدوا ما فيها من نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وغير ذلك مما كفر منهم. ثم علَّق على الاحتمال الثاني، بقوله: «ويؤيد هذا التأويل قوله بعد هذا: {وما أُولئِكَ بِالمُؤْمِنِينَ}، ويجيء -على هذا التأويل- قوله: {ومِنَ الَّذِينَ هادُوا} كأنه قال:» ومنهم" لكن صرح بذكر اليهود من حيث الطائفة السماعة غير الطائفة التي تبدل التوراة على علم منها». وذكر (٣/ ١٧٤) أنّ قوله تعالى بعد ذلك: {وكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وما أُولَئِكَ بِالمُؤْمِنِينَ} يُقوِّي هذا الاحتمال أيضًا.