للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

٢٢٤٥٨ - قال مقاتل بن سليمان: {يا أيُّها الرسول لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنّا بِأَفْواهِهِمْ} يعنى: صدقنا بألسنتهم، {ولَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ} في السر. نزلت في أبي لبابة، اسمه مروان بن عبد المنذر الأنصاري من بني عمرو بن عوف، وذلك أنه أشار إلى أهل قريظة إلى حَلْقِه: أنّ محمدًا جاء يحكم فيكم بالموت، فلا تنزِلوا على حكم سعد بن مُعاذ، وكان حليفًا لهم. ثم قال سبحانه: {ومِنَ الَّذِينَ هادُوا} أي: ولا يحزنك الذين هادوا، يعني: يهود المدينة، {سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ} يعني: قوّالون للكذب، منهم كعب بن الأشرف، وكعب بن أسيد، وأبو لبابة، وسعيد بن مالك، وابن صوريا، وكنانة ابن أبي الحقيق، وشاس بن قيس، وأبو رافع بن حريملة، ويوسف بن عازر ابن أبي عازب، وسلول بن أبي سلول، والبخام بن عمرو، وهم {سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} يعني: يهود خيبر، {لَمْ يَأْتُوكَ} يا محمد، {يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ} يعني: أمر الرجم {مِن بَعْدِ مَواضِعِهِ} عن بيانه في التوراة، وذلك أنّ رجلًا من اليهود يُسَمّى: يهوذا، وامرأة تُسَمّى: بسرة، من أهل


= عن الزهري: أنّ ابن صُوريا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أما والله يا أبا القاسم، إنهم ليعلمون أنّك نبيٌّ مُرسَل، ولكنهم يحسدونك. فذلك كان -على هذا الخبر- من ابن صوريا إيمانًا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بفيه، ولم يكن مصدِّقًا لذلك بقلبه، فقال الله جل وعزّ لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - مُطْلِعَه على ضمير ابن صوريا وأنه لم يؤمن بقلبه، يقول: ولم يصدِّق قلبُه بأنك لله رسول مرسل».
وساق ابنُ عطية (٣/ ١٦٨) خلاف المفسرين في سبب نزول الآية وفيمن عني بها، ثم بيَّن أنّ ترتيب معنى الآية بحسب أقوالهم يحتمل احتمالين: الأول: أن يكون المعنى: يا أيها الرسول لا يحزنك المسارعون في الكفر من المنافقين ومن اليهود، ويكون قوله: {سَمّاعُونَ} خبر ابتداء مضمر. الثاني: أن يكون المعنى: لا يحزنك المسارعون في الكفر من اليهود ووصفهم بأنهم {قالُوا آمَنّا بِأَفْواهِهِمْ ولَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ} إلزامًا منه ذلك لهم من حيث حرَّفوا توراتهم وبدَّلوا أحكامها، فهم يقولون بأفواههم نحن مؤمنون بالتوراة وبموسى، وقلوبهم غير مؤمنة من حيث بدلوها وجحدوا ما فيها من نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وغير ذلك مما كفر منهم.
ثم علَّق على الاحتمال الثاني، بقوله: «ويؤيد هذا التأويل قوله بعد هذا: {وما أُولئِكَ بِالمُؤْمِنِينَ}، ويجيء -على هذا التأويل- قوله: {ومِنَ الَّذِينَ هادُوا} كأنه قال:» ومنهم" لكن صرح بذكر اليهود من حيث الطائفة السماعة غير الطائفة التي تبدل التوراة على علم منها». وذكر (٣/ ١٧٤) أنّ قوله تعالى بعد ذلك: {وكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وما أُولَئِكَ بِالمُؤْمِنِينَ} يُقوِّي هذا الاحتمال أيضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>