للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إن الأمراء رسموا للمُشاعليّة بأن يأخذُوا رأس الشجاعي وَيَطُوفُوا بِهَا على رمح، فجعَلُوهَا عَلى رُمح، وَطافُوا بها مصر والقاهرة.

وكان أكثر الناس يكرهون الشُجاعي، فصَارُوا يعطون المُشاعِليه أشياء (١) من الفضةِ، وَيَأْخذُونَ منهم الرأس ويدخلونها إلى دارهم، وَيصَفَعُونها بالقباقيب وَالنِعال حتى يتشفوا منه، فصاروا يطوفون بها الحاراتِ وَالأزقة حتى حَارَات اليهود والنصارى وَهُمْ يَصفعُونها بالنعال، وَرُب مَا بَاكُوا عليها، فَأَقَامُوا عَلَى ذلك ثلاثة أيام. وقيل: كان مع المشاعليّه برنيّة خضراء، يُحصلون فيها ما يَأْخُذُونَهُ منَ الناسِ، فقيل: أنهُم مَلُوا تلك البرنيّة ثلاث مرات فضة، ولم يُسمع بمثل هذه الواقعة فيما تقدم مِنَ الوقائع [١/ ٢٧] الغريبة.

وكان سنجر الشجاعي هذا رجلًا طويلًا، تام القامة، أبيض اللون، أشقر اللحية، مهاب الشكل، ولكنهُ كانَ ظالمًا جَاهلًا عسُوفًا، كثير الأذى للناس، جبارًا عنيدًا، لا يُراعى في الأنام خليل، وكان عنده قسوة زائدة في حق الرعيّة، فلما جرى له ما جرى لم يرث له مخلوق، فكان كما قَالَ القَائِلُ:

لا تفعل الشر فتسمى به … وافعل الخير تجازي عليه

أما ترى الحية من شرها … يقتلها من لا أساءت إليه (٢)

فلَمَا قُتل الشجاعي خمدَتْ الفتنة، وطلعوا الأمراء إلى عند السلطان، وجمعُوا المماليك البرجية، وكانوا يسكنون في أبراج القلعة، فأنزلهم الأمير كتبغا إلى أبراج القاهرة، وأمرهم أن يسكنوا بها، وكان المماليك البرجية نحو أربعة ألاف وسبعمائة مملوك، ورسم لهم بمرتباتهم على حالها بحكم أنهم لا يركبون ولا ينزلون من الأبراج.

ثُم إن الأمير كُتبغَا قَبضَ عَلى جَماعةٍ مِنَ الأمراء وهم: الأمير بيبرس الجاشنكير، واللقماني، وأمير آخر، وقيدهم وأرسلهم إلى السجن بثغر الإسكندرية.

وأفرج عن الأمير فجق (٣) السلحدار، والأمير عبد الله حامل الجتر، وَعُمر السلحدار، وقرمشي، وبوري، ولاجين جركس، ومُغلطاي، وكُردي الساقي، فأخلعوا عليهم وأعَادُوا إليهم إقطاعاتهم ووظائفهمْ.


(١) في الأصل "شياء".
(٢) بحر السريع.
(٣) في الأصل "قبجق"، وورد الاسم قبل قليل "قفجق".

<<  <   >  >>