فلمَا كَانَ يَومِ الجُمعة ثالث عشرين صفر من السنة المذكورة نزل المماليك البرجية من القلعة على حميّة، وتقاتلوا مع الأمير كتبغا أشد القتال حتى كاد كتبعًا أن ينكسر، ثُم قوى كتبعًا عليهم، وكان أكثر الأمراء معه مثل: الأمير بيسري، وبكتاش أمير سلاح، وبكتُوت العلائي، وأيبك الموصلي، وأقسنقر، وبلبان الحسيني، وغير هؤلاء جماعة كثيرة من الأمراء، فكسروا المماليك البرجية.
فعند ذلك نزلت خوند أَشلُون والدة الملك الناصر إلى باب السلسلة، وأرسلت خلف الأمير كتبغا وتحدَّثتْ مَعهُ مِنْ أعلى السور، وقالت له:"إيش قصدك حتى نفعله"، فقال لها:"ما لنا قصد إلا مسك الشجاعي وأخماد الفتنة، ونحن لو بقيت منْ أولادِ أستاذنا بنت عمياء، ما خرجنا الملك عنها، ولا سيما ولده الناصر، وفيه كفاية"، فاتفقت معه على مسك الشُجاعي، فلما رأوا ذلك من كانَ مَع الشجاعي، فصَارُوا ينزلون مِنْ عِندِهِ إلى الأمير كُتبغَا وَاحدًا بعد واحد حتى لم يبق عندَ الشُجاعي إلا القليل، فطلب الشُجاعي الأمان من الأمير كُتبغَا، فَلَمْ يُوافق بقية الأمراء على ذلك.
فلما رأى الشُجاعي عين الغُلب، دَخلَ إلى السلطان الملك الناصر في صورة أنهُ يَستَشِيَرهُ في أمر هذه الحركة، فَقَالَ لَهُ السُلطان:"ياعمي ما سبب هذه الفتنة، وإيش أخر هذا الحال الذي أنتم فيه"، فقَالَ الشُجاعي:" هذا مله لأجلك يا ابن أستاذي، َفقَالَ السُلطان: "ياعمي أنا أعطيك نيابة حلب، وأخرج روح عنهم واستريح من هذه الفتن"، فلم يُوافق على ذلك.
فقَامُوا إليه المماليك الذين كانوا عند السلطان في المجلس ومسكُوهُ، وقيدوه، وَأرسلوه إلى الجب، فبينما هُوَ في أثناء الطريق فخرجوا عليه المماليك فقتلوه، وقطعوا رأسه ويده، وأخذهم في فوطة، وكان الذي قتلهُ يُقَالُ لَهُ بَهاء الدين أقوش.
فلما خرج برأس الشُجاعي إلى باب القلعة رأى المماليك البرجية محتاطين بباب القلعة، فقَالُوا لأفوش: "ما معك"، فقال: "خُبز سُخن أرسله السلطان إلى الأمير كتبعًا، ليعلم أن عندنا الشيء كثير"، فتركوه حتى نزل من القلعة، ولو علموا ما معه لقتلُوهُ من وقته، فلما نزل توجّه إلى الأمراء وَرَمي رأس الشجاعي بين أيدهم، فلما رأوا رأس الشجاعي خَمدَتْ الفتنة، وسكن الحال.