للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحركة "، فلم يسمع الخليفة هذا الكلام، ولم يغب من بيته، وظن أن هذه الحركة يحصل له فيها نفع، كما حصل له في حركة الملك المنصور عثمان، فكان الأمر بخلاف ذلك، وَمَا حَصَلَ لهُ منْ هذه الحركة طايل، وقد قيل:

دع التعرض أن الأمر مقدور … وليس للسعي في الادراك تأثير

والمرء (١) يعجز عن تحصيل خردلة … بالسعي إن لم تُساعده المقَادِيرُ (٢)

فلما خمدت هذه الفتنة طلب السُلطان الخليفة، فلما طلع إليه، وبخه بالكلام فلم يَرُد عليه الخليفة جواب، وأمسك لسانه عن حجته، وكان به بعض صمم (٣).

ثم إن السلطان أمر بإدخاله إلى قاعة البحرة، فأقام بها أيامًا، ثم أرسله إلى السجن بثغر الإسكندرية، وولى أخاه الجمالي يُوسُف، وَدَامَ الخليفة حمزة مُقيمًا بالسجن بثغر الإسكندرية إلى أنْ مَاتَ هُناكَ، وقد تقدم ذلك في تراجم الخلفاء في أول التاريخ، ولما أرَادَ السُلطان أن يخلع الخليفة حمزة ويُولي الجمالي يوسف، أحضر القضاة الأربعة بالقصر الكبير، فلما كمل المجلس قام القاضي محب الدين ابن الأشقر كاتب السرّ الشريف، وبقي المجلس ساكنا ساعة، ولم يتكلم أحد من القضاة في شيء من ولاية الجمالي يُوسُف، ولا في شيء من خلع الخليفة حمزة غير أن قاضي القضاة الشافعي علم الدين صالح البلقيني قال: "نقل بعض علماء مذهبي أن السلطان له أن يعزل الخليفة ويولي غيره"، فهذا كان حاصل المسألة في خلع الخليفة حمزة وولاية أخيه يُوسُف.

فعند ذلك قال القاضي مُحب الدين ابن الأشقر: "نشهد عليك يا مولانا السلطان، أنك خلعت الخليفة حمزة من الخلافة، ووليت أخاه يوسف"، فقال السلطان "نعم"، فشهد عليه القضاة بذلك، ثم أحضروا التشريف، فلبسة الجمالي يُوسُف، ونزل إلى بيته، ومعه القضاة الأربعة، وأعيان الناس إلى أن أوصلوه إلى بيته.

ولما أقام الملك الأشرف أينال في السلطنة مُدّة توفي الأتابكي تاني بك الظاهري، فأخلع السلطان على ولده المقر الشهابي واستقر به أتابك العساكر بالديار المصرية عُوضًا عن ثاني بك الظاهري، وأنعم على ولده الصغير المقر


(١) في جواهر السلوك ٣٣٦: "هو المرء".
(٢) بحر البسيط؛ ولم يرد البيتان في بدائع الزهور؛ وورد البيت الثاني فقط في جواهر السلوك ٣٣٦.
(٣) في بدائع الزهور ٢/ ٣٢٧: "وكان به بعض صمم".

<<  <   >  >>