للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما رجع إلى مصر فلم يقم (١) سوى مدة يسيرة، وقد جاءت الأخبار بأن النواب قد عصوا أجمعين، وخرجوا عن الطاعة، فجرد إليهم المؤيد شيخ ثالثا، فتحارب معهم وانتصر عليهم، وقتل منهم [١٨٦/ ١] جماعة كثيرة ورجع إلى نحو الديار المصرية وهو في غاية النصر وقد مهد البلاد الشامية والحلبية.

ثم بعد ذلك صفا الوقت للملك المؤيد شيخ، وعاش في أواخر عمره في أرغد عيش، وكان لا يبرح بالقلعة إلا قليلا، وكان غالب أيامه في بولاق في البارزية عند القاضي ناصر الدين ابن البارزي كاتب السر الشريف، وكان يقع له هناك المواكب الجليلة، وكان يتوجه بنفسه في يوم وفاء النيل إلى المقياس، وينزل في الذهبية ويكسر السد.

وكان في يوم الوفاء أمر الأمراء المقدمين الألوف بأن يزين كل واحد منهم حراقة ويشحنها بالصناجق والكوسات، ويكون له في ذلك اليوم موكبا لم يسمع بمثله.

وكان يمشي على طريقة أستاذه الملك الظاهر برقوق، وكان في بعض الأوقات ينزل يعوم في البحر مع أخصائه، ويمتزج مع الندماء في الخلوات، وكان يميل إلى اللهو والطرب، ويُقرب أرباب الفن والآلات من المغاني، وكانت أرباب الفنون تتناها في أيامه في فنونهم، لجودة فهمه وحسن معرفته، وكان ينظم الشعر، ويركز الفن، وإلى الآن أقواله دائرة بين المغاني، ويقولون هذا من نظم الملك المؤيد شيخ، ومما يحضرني الآن من نظمه، وهو قوله من أبيات نظمها:

قتلتنا (٢) سوالف وخُدُود … وعُيُون نواعس (٣) وقُدُود

أسرتنا الظبا وهن نعاس (٤) … وخضعنا لها (٥) ونحن الأسود (٦)

إلى أن يصل في القصيدة إلى الاستشهاد باسمه، فيقول:


(١) في الأصل "يمقم".
(٢) في بدائع الزهور ٢/ ٦١: "فتنتنا".
(٣) في جواهر السلوك ٣١٤: "بواعس".
(٤) في بدائع الزهور ٢/ ٦١: "ضعاف"؛ وفي جواهر السلوك ٤٣١: "بقانين".
(٥) في بدائع الزهور ٢/ ٦١: "لهن"؛ وفي جواهر السلوك ٤٣١: "بها".
(٦) بحر الخفيف؛ وفي بدائع الزهور ٢/ ٦١: "أسود".

<<  <   >  >>