للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمير بطأ مع المماليك الظاهرية في أخذ القلعة، ومسك الأمراء، وكل ذلك قبل حضور الملك الظاهر برقوق، وخدم سعده في هذه الولاية الثانية إلى أن مات على فراشه وهو سلطان، كما سيأتي ذكر ذلك في موضعه، كما قيل:

إذا أقبلت كانت تقاد بشعرة … وإن أدبرت مرت تقد السلاسلا (١)

ولما كان يوم الأربعاء خامس عشر صفر (٢) طلع السلطان الملك الظاهر إلى القلعة في موكب عظيم، ولاقته جميع اليهود والنصارى بأيديهم الشموع، فطلع من بين الترب، ولم يشق من القاهرة، وكان راكبًا هو والملك المنصور أمير (٣) حاج ابن الأشرف شعبان، وكان قدامه الخليفة المتوكل على الله، والقضاة الأربعة، وشيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، وأعيان العلماء، وسائر الأمراء من الأكابر والأصاغر، وسائر الجند، فسار وعلى رأسه القبة والطير.

إلى أن وصل إلى قدام تُربة طيبغا الطويل، ففرشت له الشقق الحرير، فلما وصل إلى أوائل الشقق، لوى عنان فرسه عن الشقق، وأشار إلى الملك المنصور أمير حاج بأن يمشي بفرسه على الشقق جبرًا لقلبه، فضج الناس له بالدعاء.

فسار إلى أن وصل إلى الأسطبل السلطاني، وجلس به وجُدِّدت له البيعة بالسلطنة ثانيًا بحضور الخليفة والقضاة وشيخ الإسلام وسائر الأمراء من المصريين الذين (٤) كانوا بالقاهرة ومن الشاميين الذين (٥) حضروا صحبته من البلاد من النواب وغيرهم، وفي ذلك يُقول بعض الزجالة مطلع زجل:

من الكرك جانا الظاهر … وجب معو أسد الغابة

ودولتك يا أمير منطاش … ما كانت إلا كذابة (٦)

فلما انفض المجلس على ذلك قال السلطان برقوق للملك المنصور أمير حاج: "أطلع سلم على أمك"، فقام الملك المنصور وقدَّموا له الفرس، فركب من


(١) بحر الطويل؛ لم يرد في بدائع الزهور.
(٢) في بدائع الزهور ١/ ٢/ ٤٣٠: "يوم الأربعاء سادس عشر ربيع الأول"؛ وفي جواهر السلوك ٢٥٤: "يوم الخميس".
(٣) في الأصل "أميرا".
(٤) كذا في الأصل، والصواب "الذين".
(٥) كذا في الأصل، والصواب "الذين".
(٦) بحر الرجز.

<<  <   >  >>