للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال الشيخ شهاب الدين ابن أبي حجلة في ترجمته للمظفر حاجي: "وَقَدْ اشتغل بلعب الطيور عن تدبير الأمور، والتهي (١) عن الأحكام، بالنظر للحمام، فجعلَ السُطُوح داره، والشمس سراجه، والبرج منارهُ، وَأَطَاعَ سُلطان هِوَاهُ، وَخَالِف مِنْ نهَاهُ، وَصَارَ لا يعرف في ذلك الهزل من الجد، وخرج في الأمور عن الحد، وصار لا يبات في القصر عند الأمراء في ليالي المواكب إلا قليل، واستخف بالأمراء من حقير وجليل، فصار نهاره عند الحمام، وليله عند الجوار ينام".

فلما بلغ الأمراء أن السلطان أنفق المال الذي وصل من موجود نائب الشام على غلمان الحمام، وكان نحو خمسين ألف دينار، فشق ذلك عَلَى الْأَمْرَاءِ وَعَزَّ عليهم.

فلما حضر الأمير جبعًا من السفر، فذَكَرُوا له الأمراء ما وقع من السلطان من هذه الأمور، فدخل الأمير جبعًا على السلطان وقت الظهر، وذكرَ لَهُ مَا قَالُوهُ الأمراء، وعنَّف السلطان في هذه الأمور الذي يفعلها، وقَالَ لَهُ: "إِنَّ الأمراء والعسكر قد خَامِرُوا على السلطان بسبب ذلك "، فأغتاظ السلطان، وَرَسم بذبح الحمام الذي عنده أجمعين، وخرب تلك المقاصير، وَرَسم للخُدّام بأن أحدًا منهُمْ لا يخلي عنده شيءٌ من الحمام، ثُم أرسل إلى الأمير جبغَا يَقُولُ لَهُ: "أني قد ذبحت الحمام التي عندي كلهم، وأنا إن شاء الله تعالى، أذبح في هذا القرب خياركم كما ذبحت الحمام".

فلما سمع الجبعًا ذلك قام من وقتهِ، وَدَخلَ إلى نائب السلطنة، وَأَعملهُ بِمَا قاله السلطان، وكذلك أعلم الأمير بيبغا أروس بذلك، فاتفقوا كلهم عَلَى الوَثوبِ عليه، قال الشيخ صلاح الدين الصفدي:

أيها العاقل اللبيب تفكر … في المليك المظفر الضرغام

قد تمادى في البغي والغي حتى … كانَ لُعْبَ الحَمَام جِدَّ الحَمامِ (٢)

فلما كَانَ يوم الأحد ثاني عشر شهر رمضان لبسوا الأمراء آلة الحرب، وخرجوا إلى قُبة النصر، فلما بلغ السلطان ذلك رسم بشد الخيول، وَدَقَتْ الكوسات حربي، وركب السلطان هُوَ وَمَماليكه، وخرجَ مِنْ بَابِ الأسطبل


(١) كذا في الأصل؛ وفي بدائع الزهور ١/ ١/ ٥١٦؛ وفي جواهر السلوك ١٨٩: "النهي".
(٢) بحر الخفيف البيتان في أعيان العصر ٢/ ١٨٠. الوافي بالوفيات ١١/ ١٨٤.

<<  <   >  >>