للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومما استدلَّ به الجهميةُ: قولُ اللهِ -تعالى- لموسى : ﴿قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ﴾ [الأعراف: ١٤٣]، وقيل في الجواب: ليس في الآية نفيٌ للرؤية بإطلاق، بل نفيٌ لرؤية موسى ربَّه في مقامٍ معيَّنٍ، فقال: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾، جوابًا لقول موسى في ذلك المقام: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾. وقال المجيبون أيضًا: إنَّ هذه الآيةَ أدلُّ على الرؤيةِ منها على نفيها؛ لأنَّ الله تعالى لم يقل: إنِّي لا أُرى، بل قال: لن تراني إلَّا أن يستقرَّ الجبلُ، لقوله: ﴿فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾، واستقرارُ الجبلِ ممكنٌ، فيلزم إمكانُ الرؤية.

وقالوا: كان موسى أعلمَ وأجلَّ من أن يسألَ ربَّه أمرًا مستحيلًا عليه سبحانه.

وذكروا وجوهًا أُخرى تضمَّنتها الآيةُ تدلُّ على جواز الرؤيةِ، أثبتها ابنُ القيم عند كلامه على هذه الآية في باب: رؤيةِ أهلِ الجنَّة لله تعالى من كتابه «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» (١).

ثم قال النَّاظم: (وعندَنَا بمِصْدَاقِ ما قُلْنَا حَديثٌ مُصَرِّحُ): أي: وعندنا حجَّةٌ على الخصم حديثٌ واضحٌ صريحٌ يدلُّ على صِدق قولنا، والحقُّ أنَّ عندنا أحاديث متواترة (٢)، بل قرآنٌ وإجماعٌ، فالرؤيةُ قد دلَّ عليها الكتابُ والسنَّةُ والإجماعُ.


(١) (٢/ ٦٠٥ - ٦٠٨).
(٢) رواها سبعةٌ وعشرون صحابيًا ساقها ابن القيم وغيره، ينظر: حادي الأرواح (٢/ ٦٢٥ - ٦٨٥)، ونظم المتناثر (ص ٢٣٨، رقم ٣٠٧).

<<  <   >  >>