للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومقتضى القول بالجبر أنَّ الإنسانَ غيرُ مَلومٍ على ما يفعله من المعاصي، وأنَّ القدرَ حجَّةٌ لهم.

وهذا سبيلُ المشركين الذين عارضوا دعوةَ الرُّسلِ بقولهم: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (١٤٨)[الأنعام]، وقال تعالى مخبرًا عنهم: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [النحل: ٣٥]، قالوا ذلك ردًّا لدعوة الرسلِ ومعارضةً لهم، وإلَّا فقولهم: ﴿لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا﴾ كلمةُ حقٍّ، لكنهم أرادوا بها باطلًا، ومَن قال كلمةَ حقٍّ يُريدُ بها باطلًا؛ فهو مُبطِلٌ.

فتبيَّنَ مما سبق أنَّ الجبريةَ والقدريةَ على طرفي نقيضٍ، فالجبريةُ يقولون: إنَّه لا فاعل إلَّا الله، فلازم قولهم: أنَّ اللهَ هو القائمُ والقاعدُ، والمصلِّي والصائمُ، والصادقُ والكاذبُ، فاللهُ هو الفاعلُ لهذه الأفعالِ في الحقيقة، وليست هذه أفعالُ العبادِ، وإضافتُها إلى العبادِ إضافةُ مجازٍ لا حقيقة، تعالى اللهُ عن قولهم علوًّا كبيرًا.

وهذا مذهبٌ لا يمكن أن يلتزمَ به مَنْ يدَّعيه، ولا أن تستقيمَ عليه حياةٌ أبدًا، ولهذا فإنَّ مذهبَ القدريةِ النُّفاةِ مع قُبحه وفسادِه خيرٌ من مذهب الجبريةِ.

وأمَّا الطائفةُ الثالثةُ: بين المذهبين وهم أهلُ المذهبِ الحقِّ، أهلُ السنَّةِ والجماعةِ، فمذهبُهم: الإيمانُ بالقدر بكلِّ ما يتضمَّنُه من المراتب المذكورةِ، وأنَّ أفعالَ العبادِ أفعالٌ لهم حقيقةً، فَعَلوها بإرادةٍ ومشيئةٍ،

<<  <   >  >>