وقولُ الناظمِ: (فكُلُّهمُ يَعصِي وذو العرشِ يَصفَحُ): أي: المصلين يريد المسلمين، وذو العرش يصفح إذا شاء.
(وذو العرشِ): هو اللهُ تعالى، كما قال سبحانه: ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ﴾ [غافر: ١٥]، وقال: ﴿ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥)﴾ [البروج]. وقوله: (يَصفَحُ): أي: يعفو ويتجاوزُ إذا شاء كما قال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨]، وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٠٧)﴾ [يونس]، فهو ﷾ عفوٌّ غفورٌ.
وأمَّا قولُه ﷾: ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣)﴾ [الزمر]، فالمرادُ: يغفر للتائبين، فمَن تاب تاب اللهُ عليه، والتوبةُ مُقتضيةٌ لمغفرة جميعِ الذنوب.
وأمَّا آيةُ النساء: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ١١٦]، فهي في حقِّ غيرِ التائبين.
ففي سورةِ الزُّمَرِ عمَّ وأَطلقَ، وفي سورة النِّساء خصَّ وقيَّدَ، فخصَّ الشركَ بعدم الغفران، وقيَّدَ المغفرة بالمشيئة فيما دون الشِّركِ، وبهذا يحصلُ الجمعُ بين الآيتين (١)، فاللهُ تعالى لا يغفر الشركَ ويغفر ما دونه لمن شاء، ومَن تاب؛ تابَ اللهُ عليه، كما قال ﷾: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧)﴾ [النساء].
(١) ينظر: تفسير آيات أشكلت لابن تيمية (١/ ٢٩٣)، ومدارج السالكين (١/ ٥٠٢ - ٥٠٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute