للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذه المسألةُ لمّا كان فيها إشكالٌ واشتباهٌ؛ أتى الإمامُ أحمد في جوابها بهذا التفصيل، وهو قوله: «مَنْ قال لفظي بالقرآن مخلوقٌ فهو جهميٌّ»، ومرادُه الذين يتسترون ويُطلقون هذا التعبير المُلَبِّس المشابه لتلبيس الواقفة، فمَن قال به فهو جهميٌّ، «ومَن قال: لفظي بالقرآن غيرُ مخلوقٍ فهو مبتدعٌ»؛ لأنَّ هذا فيه اشتباهٌ وتَكَلُّمٌ بالمجملات.

والإمامُ البخاريُّ أَلَّفَ كتاب: «خلق أفعال العباد»، ردَّ فيه على القدرية، وضمَّنَه الرَّدَّ على اللفظية.

والحاصلُ: أنَّ التلاوةَ والقراءةَ واللفظَ، هذه الكلمات كلُّها ألفاظٌ محتملةٌ مجملةٌ؛ فلهذا منع الأئمةُ من إطلاق القولِ بلفظي بالقرآن مخلوقٌ، أو تلاوتي القرآنَ مخلوقةٌ، أو قراءتي؛ لأنَّ القراءةَ مصدرٌ كاللفظ، يُطلق ويُراد به الفعلُ، ويُطلق ويُراد به المفعولُ (١). ولهذا قال النَّاظمُ : (ولا تقلِ القرآن) الذي هو كلام الله، (خلقٌ قرانه): أي: خلقٌ قراءتي له.

قال: (فإنَّ كلامَ اللهِ باللَّفْظِ يُوضَحُ): أي: إنَّ كلامَ اللهِ يُوضَّح ويُبيَّن ويُظهر بتلفُّظ القارئ، وكلامُ الله يأتي على وجوهٍ: فيجيءُ ملفوظًا مقروءًا، ويأتي مكتوبًا مسطورًا، ويكون لدى السامعِ مسموعًا، ولدى الحافظِ محفوظًا، وهو كلامُ اللهِ في كلِّ هذه الأحوال؛ فالقرآنُ كلامُ اللهِ كيفما تَصَرَّف كما قال الإمامُ أحمد (٢)، فهو كلامُ اللهِ محفوظًا


(١) ينظر الخلاف في مسألة اللفظ في: مجموع الفتاوى (١٢/ ٣٠٦ - ٣٠٧)، (١٢/ ٣٥٩) وما بعدها، ومختصر الصواعق (٤/ ١٣٢٥).
(٢) ينظر: السنة للخلال (٥/ ١٣١ رقم ١٧٩٠)، واعتقاد الإمام المنبَّل لعبد الواحد التميمي (ص ٣٣).

<<  <   >  >>