للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قوله: «قال أبو عبد الله: ومما نقول-وهو قول أئمتنا-: إن الفقير إذا احتاج وصبر ولم يتكفف إلى وقت يفتح الله له كان أعلى، فمن عجز عن الصبر كان السؤال أولى به على قوله : «لأن يأخذ أحدكم حبله»، الحديث».

أشار إلى الحديث الوارد عن أبي هريرة ، أن رسول الله قال: «والذي نفسِي بيدِه لأن يأخذَ أحدُكم حبلَه فيذهبُ إلى الجبلِ فيحتطبُ، ثم يأتِي به فيحملُه على ظهرِه؛ فيبيعُه فيأكلُ، خيرٌ له من أن يسألَ الناسَ، ولأن يأخذَ ترابًا فيجعلَه في فيه خيرٌ له من أن يجعلَ في فِيه ما حرَّم اللهُ عليه» (١).

ومن المعلوم شرعاً أنه في كلا الأمرين من جلب النفع ودفع الضر-شُرع للإنسان أن لا يسأل إلا الله، ولا يشتكي إلا إليه، كما قال يعقوب : ﴿إنَّما أشكو بثي وحزني إلى الله﴾ [يوسف: ٨٦]، ومن المعلوم أن الإنسان في حوائج دنياه وفي حوائج أُخراه يدور بين هذين الأمرين: جلب ما ينفعه، ودفع ما يضرُّه.

فمثلًا يسأل العبدُ ربَّه ﷿ الغِنى، ويستعيذ به من الفقر، ويسأل الله ﷿ القوة، ويستعيذ به من الضعف، وهكذا في كل أموره.

ولكن الإنسان إذا مسه الضرُّ لجأ إلى الله ، وأمَّا في حال استغنائه ورخائه؛ فإنه قد يَنسى، ولذلك يقول الله : ﴿كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى﴾ [العلق: ٦]؛ فترى الإنسان في حال رخائه بعيدًا عن الله ، ولا يلجأ إليه ولا يشكره ﷿ على ما أولاه من نِعَم، مع أن الواجب المتعين على كل أحد أن يلجأ إلى الله في جلب المنفعة وفي دفع المضرة.

ولذلك عَلَّمنا النبيُّ أن ندعو الله ﷿ في كل شيء، حتى في إصلاح شِسع النَّعل (٢)؛ فعن أنسٍ ?، قال: قال رسول الله : «لِيَسأل أحدُكم ربَّه حاجته كلها، حتى يَسأل شِسْعَ نَعله إذا


(١) أخرجه البخاري (١٤٧٠)، ومسلم (١٠٤٢).
(٢) شسع النعل: سَيْر من سُيورها التي تكون على وجهها؛ يَدخل بين الإصبعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>