للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

«إلى أن قال: واتخاذ المجالس على الاستماع والغناء والرقص بالربعيات بدعة، وذلك مما أنكره المطلبي (١) ومالك والثوري ويزيد بن هارون وأحمد بن حنبل وإسحاق، والاقتداء بهم أولى من الاقتداء بمن لا يعرفون في الدين، ولا لهم قَدم عند المخلصين.

وبلغني أنه قيل لبِشر بن الحارث: إن أصحابك قد أحدثوا شيئاً يقال له: القصائد. قال: مثل أيش؟ قال: مثل قوله:

اصبري يا نفس حتى … تسكني دار الجليل

فقال: حسن. وأين يكون هؤلاء الذين يستمعون ذلك؟ قال: قلت: ببغداد. فقال كذبوا-والله الذي لا إله غيره-لا يسكن بغداد مَنْ يستمع ذلك».

مسألة السماع مما تكلم فيه العلماء من قديم وكان الناس يتعبدون به في أول ما حدث من جهة ما يسمى التغبير كما قال الشافعي في من أحدث التغبير في بغداد، والتغبير سمي تغبيرا لأنهم يأخذون جلودا قديمة يَبِسَتْ عليها تراب والغبار فيبدؤون -يعني لأنهم … متزهدون كما يزعمون- فيضربون عليها بالعصي فتحدث صوتا كصوت الدف، فيترنّمون به مع الأشعار، فسمي الفعل مع الإنشاد تغبيرا؛ لأنه يظهر معه الغبار، وحقيقة التغبير هي إنشاد الأشعار الزهدية مع استخدام الدفوف، هذه حقيقة التغبير، والأشعار الزهدية أحدثها طائفة من المتزهدة لتنشد في مقابلة الغناء المحرم الذي انتشر في عهد الدولة العباسية، انتشر الغناء المحرم يعني في أنواع من الألحان موجودة في كتب ومعروفة وأصوات، فأحدثوا هذا في مقابلة ذاك، وتدرّج الأمر إلى أن صاروا يتقربون إلى الله بسماع الدف نفسه والطبول والمزمار الذي هو القصب يعني لأنه هو القصب؛ قصب السكر يؤخذ ييبّس ويفرّغ وبعد ذلك … ثم يكون منه مزمارا، فأصبحوا يتقربون إلى الله بذلك، ينشدون الأشعار الزهدية، ويترنمون بهذه


(١) أي: الإمام الشافعي؛ محمد بن إدريس الشافعي المُطَّلبي القُرشي.

<<  <  ج: ص:  >  >>