للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

نقلٌ عن السلف يقولون: أمروها كما جاءت، أي على حد تفسيرهم لهذا أنهم يقولون: اقرؤوها بدون فهم وبدون معنى.

ولكن بلا شك أن هذا ليس مقصود السلف، وهذا الغمز منهم وحمل هذا القول على هذا الزعم، هو زعمٌ باطلٌ فالتفويض نوعان:

النوع الأول: تفويض في المعنى.

النوع الثاني: تفويض في الكيفية.

فتفويض المعنى هذا ليس من منهج ومعتقد السلف الصالح، بدليل: أن السلف فسروا نصوص الصفات، وهذه كتب التفسير وكتب الحديث، تشهد أنهم يفسرون معاني النصوص، فقد سبق أن ذكرنا لكم عن مجاهد كما ذكر البخاري في صحيحه أنه لما جاء إلى معنى الاستواء قال: استوى: علا وارتفع (١)، ومجرد إلقاء نظرة على كتب التفسير للمأثور وكتب الحديث وكتب العقائد التي نقلت من المأثور، تجد أن السلف لم يريدوا تفويض المعنى ولم يذهبوا إليه.

وإنما قالوا: مثل هذه العبارات رداً على المعطلة الذين حرَّفوا وأوَّلوا، فلما حرَّف أولئك وأوَّلوا قال السلف: "أمروها كما جاءت" (٢) أي لا تأوِّلوها، أي لا تحرِّفوها عن معانيها، ولكن كما قال الله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾، فلو كان السلف مفوِّضة لمَّا ثبت عنهم تفسير هذه الصِّفات وإثبات معانيها.

وارجع لصحيح البخاري، أو ارجع إلى تفسير الطبري، أو ارجع إلى الكتب التي حوت أصول أهل السنة، تجد أنهم لم يريدوا هذا، فهذا الأوزاعي بنفسه كما نقل المصنف عن البيهقي يقول: نؤمن بأن الله فوق عرشه، فهل هذا يكون مفوضاً؟


(١) انظر: «صحيح البخاري» (٩/ ١٢٤)، في ترجمة باب ﴿وكان عرشه على الماء﴾ [هود: ٧]، ﴿وهو رب العرش العظيم﴾ [التوبة: ١٢٩])، من كتاب (التوحيد).
(٢) تقدم الإشارة إليه في صفحة (١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>