للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وكقوله: (فأتى الله بنيانهم من القواعد) (النحل: ٢٦)، فالأولى تعني وجه الله أي قبلته، فأضيفت إلى الله تعالى للتخصيص والتشريف، والثاني المقصود به إتيان أمره المتمثل في عقوبته، وقد يستدل بعض النفاة بمثل آية (فأتى الله بنيانهم) … على نفي صفة الإتيان الله تعالى حقيقة الواردة في قوله تعالى: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله) جاعلاً من معنى الآية الأولى معنى للآية الثانية من أن الإتيان لله تعالى إنما هو إتيان أمره" (١).

ومن خلال دلالة السياق يتبين لنا أثر فهم هذه الدلالة في إثبات صفات الله تعالى وأن لا يجعل ما لا يدل على صفة من النصوص دليلا على نفي الصفة المثبتة من النصوص الأخرى.

وما سبق هو إشارة للمقصود وتبيان لأهمية هذه الدلالة" (٢).

فإذًا هكذا في ألفاظ المعية، في كل نص قد تقتضي معنى خلاف الآخر، فمع أن الله مع خلقه جميعًا بعلمه، فإنه مع أوليائه وعباده الصالحين بنصره وتأييده إضافة إلى علمه، فهذا النوع يسمى التواطؤ المشكك، فالتواطؤ نوعان: كلِّي ومشكك.

فلاحظ أن اللبس يأتي في أذهان البعض من فهمه الخاطئ، أو يريد أن يحمِّل النصَّ معنى لا يحتمله، ولو عاد إلى لغة العرب وعاد إلى كلام أهل العلم لوجد أن الأمر في غاية الوضوح والجلاء، فلم يتردد واحد من السلف فيقول: لعلها معية ذاتية، ولم يُنقل هذا عنهم، وهذا ابن عبد البر ينقل إجماع السلف أنهم فسَّروا المعيَّة بمعيَّة العلم، وهكذا ابن تيمية وهكذا تلميذه ابن القيم، وهكذا جمعٌ من أهل العلم، بيَّنوا أن المعيَّة هنا ليست معيَّة ذاتية.

وقد قمت بتأليف رسالة في هذا الموضوع سميتها "الآثار المروية في صفة المعية" تتبعت فيها أقوال العلماء في هذه المسألة.


(١) انظر: نقض الدارمي، ومجموع الفتاوي لابن تيمية: ٢/ ٤٢٩، و ٣/ ١٩٣، ومختصر الصواعق لابن الموصلي: ١/ ٢٩.
(٢) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية: ٦/ ١٥ - ٢٣، لتبيان أمثلة توضح دلالة السياق وأثرها في فهم النص، وانظر كذلك: الدراسات اللغوية والنحوية في مؤلفات ابن تيمية للشجيري: ٩١ - ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>