للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

عليه، وبالجملة فخير الدنيا والآخرة إنما ناله العباد على أيديهم، وبهم عرف الله، وبهم عبد وأطيع، وبهم حصلت محابه تعالى في الأرض) (١)

ولم يكتفي غلاة المتصوفة بإسقاط مكانة الأنبياء وتفضيلهم على من سواهم بل تجاوز ذلك إلى إسقاط مكانتهم في تبليغ شرع الله وزعموا أنهم يتلقون عن الله مباشرة دون واسطة

قال ابن تيمية: "ثم إن صاحب (الفصوص) يعني ابن عربي وأمثاله بنوا الأمر على أن الولي يأخذ عن الله بلا وساطة والنبي يأخذ بوساطة الملك. ولهذا صار خاتم الأولياء أفضل عندهم من هذه الجهة، وهذا باطل وكذب فإن الولي لا يأخذ عن الله إلا بوساطة الرسول وإن كان محدثاً، فقد ألقي إليه بشيء وجب عليه أن يزنه بما جاء الرسول من الكتاب والسنة" (٢).

ومن تخبطات وترهات الصوفية وتناقضاتهم أنهم جعلوا من الأنبياء والأولياء واسطة بينهم وبين الله في التعبد، وهذا كلام باطل ترده النصوص، فالنبي واسطة في التبليغ، ولكنه ليس واسطة بين العباد في التعبد، فالنبي بشرٌ وعبدٌ ورسولٌ، ولا شك أنه الواسطة في تبليغ الدين، لكنه ليس وسيلة أو واسطة إلى الله في قبول الأعمال أو الدعاء أو في قضاء الحوائج أو غير ذلك.

وأما عند الصوفية فالنبي والأولياء وسيلة بين الله تعالى وبين عباده، ولذلك تجد بلدانهم مليئة بالقبور والأضرحة والقباب، وتصرف لهذه الأماكن الكثير من النذور والأموال، وتُذبح عندها الذبائح الكثيرة من هذا الباب؛ لأن هؤلاء يعتقدون أن هؤلاء الأشخاص وسائط بينهم وبين الله تعالى، وهذه دعوى كفار قريش الذين قالوا عن الأوثان: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)، وقالوا: (هؤلاء شفعاؤنا عند الله).

والله ما جعل بينه وبين عباده واسطة في العبادة أبدًا؛ قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، فلم يأمر بأن يُدعى فلانًا أو يُجعل فلانًا واسطة بينه وبين خلقه، إذ دعوة التوحيد تقوم على أنه ليس بين الله وبين خلقه أي واسطة في هذا الشأن أبدًا.

فحقيقة الخلاف في مسائل توحيد الألوهية بيننا وبين أولئك: أن عقيدة السلف


(١) طريق الهجرتين: ٣٥٠.
(٢) حقيقة مذهب الاتحاديين لابن تيمية ص ١١٥ - ١٢٣

<<  <  ج: ص:  >  >>