تقوم (كوندي) في هذه الأيام بزيارة للمنطقة بهدف معلن وهو قيامها بتصنيف الزعماء والأنظمة إلى معتدلة، وغير معتدلة، ولا ندري ما هو ثمن شهادة السيرة والسلوك الممنوحة للمعنيين، وما هي تداعيات حجبها عن أي زعيم مشاكس؟ إنها محاولة أمريكية لتجنيد المنطقة إجبارياً في خدمة مشروعها الاستعماري الذي يتمدد باستمرار على الرغم من التعثر الواضح في أفغانستان والعراق، وتسليم القيادة في أفغانستان للإنجليز الذين سارعوا في تبني (نظرية مشرف) في التعامل مع القبائل الموالية لطالبان ومحاولة التهدئة والانسحاب من المناطق المتوترة. وأما في العراق فيبدو أن البلد يسير وفق المخطط الإيراني؛ فمهمة الأمريكان حالياً تتركز في التغطية على عمليات الميليشيات الشيعية في التصفية التدريجية للوجود السني في بغداد والتقسيم الفعلي للعراق؛ ومنتهى آمالهم الحفاظ على وجود محدود عبر عنه الطالباني الرئيس الشكلي للعراق ببضع قواعد. لقد بدأت أمريكا تدخل في مغامرات جديدة؛ فهي من جهة تشارك بفعالية شديدة في عملية إفشال تجربة حماس في فلسطين؛ إذ تقود عملية الحصار الشامل للشعب الفلسطيني ومنع توصيل أي مساعدات رسمية لها، ولم تكتفِ بدعم عودة فتح للسلطة بأي وسيلة، بل تجاوزت إلى محاولة شق صفوف حماس بالكلام عن قيادة دمشق. إنما يجري حالياً في فلسطين يذكِّر بفترة حصار العراق؛ فقد اجتمع حصار اقتصادي خانق وعمليات عسكرية برية وجوية مستمرة وتجاهل عربي وعالمي لما يجري، وأنكى من كل هذا أن شرط وقف العملية المتكاملة هو الاعتراف بدولة اليهود والتنازل عن الحقوق. ومما يحز في النفس أن من يمارس القتل والتجويع في فلسطين هو من يرفع عقيرته في التباكي على شعب دارفور، وتكبيد الشعب المسكين ثمناً غالياً لأهداف بعيدة عن آماله وأحلامه في عدالة التمثيل والتنمية التي يطالب بها بعض أبناء الإقليم. لقد قام الغرب بدعم التمرد المحلي بالسلاح والعتاد واستلاب القرار السياسي للمجموعات المسلحة وعندما يصبح التدخل العسكري الغربي هو الهدف؛ فإن السبيل إليه هو تعميق القتل والتهجير واستغلاله، ولا تعجب عندما تقوم المجموعات المسلحة بإفشال عمليات الإغاثة بقتل العاملين وسرقة السيارات، ويتم إعلان فشل قوات الاتحاد الإفريقي وتبني إرسال قوات دولية. وعندما تتكلم أمريكا باسم المجتمع الدولي وتصدر قرارات مجلس الأمن وفق الإرادة الدولية (أمريكا وبريطانيا) التي تخير السودان بين القبول وإلا!!!! وتهدد بمحاكمة المسؤولين السودانيين الذين يرتكبون ما يزعمونه من جرائم ضد الإنسانية، حيث لمحت أنها قد تنال الرئيس السوداني، وحتى الكونجرس أحيط علماً بما يجري وتحمس أعضاؤه لرفع الظلم الواقع على الإنسان، وأصدروا قانوناً ينص على «عقوبات تستهدف أشخاصاً مسؤولين عن الإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في دارفور. ويجيز مشروع القانون من جهة أخرى لإدارة بوش أن تقدم دعماً لقوات الاتحاد الأفريقي المنتشرة في درافور في انتظار وصول قوات الأمم المتحدة، ويطالب (بطرد الخرطوم) من الأمم المتحدة» . وإذا تصورنا خضوع البشير للتهديد وسمح باحتلال جزء من السودان، وتحولت دارفور إلى ساحة حرب بين قوات التحالف بدارفور والمجموعات الجهادية التي دعت لمقاومة الاحتلال الأمريكي لدارفور؛ فما هي حال الشعب المسكين؟ إنها ستكون مثل حال الشعوب المحررة في العراق وأفغانستان، وسنسمع أن طائرات التحالف قد أتمت بنجاح ضرب أهداف يُعتقد أنها لإرهابيين، وليبكي الناس نساءهم واطفالهم.
واخيراً نذكِّر الجميع أنه يمنع دخول الصحفيين للإقليم؛ إنها تعليمات العم سام، ويا أهل الصومال خذوا حذركم!
(*) أستاذ مساعد في كلية الهندسة، جامعة الملك سعود، الرياض.