[أضواء على تغيير النظام في موريتانيا]
علي عبد المتعال
بعد الترحيب الذي أبداه زعماء الحركة الإسلامية الموريتانية، بالانقلاب العسكري الذي أزاح حكم الرئيسط السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، حيث قال ١٨ من قياديي الحركة الإسلامية في بيان لهم: إن «الإسلاميين الموريتانيين يرحبون بالتغيير في البلاد ويؤكدون مجدداً «ضرورة التشاور مع مجمل الأطراف
جاء على إثر هذا الترحيب الاستجابة السريعة التى أبداها قادة الانقلاب بهذا الموقف والتي تمثلت في الإفراج عن المعتقلين الإسلاميين من سجون الرئيس المخلوع.
ومن ثم انطلقت المسيرات تضم الآلاف من أنصار التيار الإسلامي من أمام السجن المركزي بالبلاد ابتهاجاً بإطلاق سراح المعتقلين وعلى رأسهم الداعية الإسلامي المعروف الشيخ «محمد الحسن ولد الددو» .
وقالت وكالة «الأخبار» الموريتانية حينها: إن الشيخ ولد الددو خرج من السجن المركزي وسط تدافع شديد من قِبَل أنصار التيار الإسلامي الذين توافدوا ابتهاجاً بحريته.
وشكر الشيخ الددو في كلمة موجزة ألقاها أمام الحشود، شكر الموريتانيين وتمنى كل التوفيق للمجلس العسكري، كما تمنى أيضاً أن يفي هذا المجلس بالوعود التي قطعها على نفسه من أجل إخراج البلاد من الوضعية التي كانت تعيشها.
وفي تعليقٍ رسمي صدر عن جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر على إطلاق سراح المعتقلين من التيار الإسلامي وعلى رأسهم الشيخ محمد الحسن ولد الددو أعرب المهندس محمد خيرت الشاطر - النائب الثاني للمرشد العام للجماعة - عن ترحيبه بقرار الإفراج.
وقال الشاطر: «نحن نرحب بأي خطوةٍ في اتجاه تدعيم الحريات» .
بعد هذه الرسائل الإيجابية المتبادلة بين الجانبين، صار التساؤل يطرح نفسه: ما الدور الحقيقى للحركة الإسلامية في الانقلاب الذي وقع ضد حكم ولد الطايع؟
وهل من بين أعضاء المجلس العسكري ممثل لهذه الحركة؟ وهل سيكون للإسلاميين كلمة في حكم البلاد في ظل النظام الجديد؟
وهل سيتنفس التيار الإسلامي في موريتانيا بحريته كأي قوة سياسية من حقها الدعوة بحرية إلى ما تتبناه؟
أم أن السر في تلك الإجراءات الجزئية من قِبَل العسكريين، يكمن وراء رغبتهم في توصيل رسالة من شأنها أن تضفي عليهم شرعية مستمدة من الشعب هم بحاجة إليها.
تشير الدلائل إلى الطابع العلماني المهيمن على الطيف الذي نال عضوية «المجلس العسكري» الحاكم في نواكشوط؛ حيث يضم مجموعة من الشخصيات ذات التوجهات المعروفة في الأوساط السياسية الموريتانية بأنها ليبرالية أو علمانية التوجه وموالية بشكل تقليدي لفرنسا بجانب شخصيات ذات توجه قبلي.
وتعكس تشكيلة المجلس المؤلف من ١٧ عسكرياً غياب أي تمثيل للتيار الإسلامي أو أي حضور فعال للشخصيات ذات (التوجه القومي) أو العروبي.
ويعد رئيس المجلس العقيد «علي ولد محمد فال» والعقيد «عبد الرحمن ولد بوبكر» نائبه والعقيد «محمد ولد عبد العزيز» القادة الفعليين للانقلاب الذين قاموا بدور أساسي في التخطيط له وتنفيذه.
كما يضم المجلس أعضاء ذوي توجه قبلي. ورأى مراقبون أن هؤلاء الأعضاء تم إقناعهم من قادة المجلس الفعليين للانضمام إليه لأجل استمالة القبائل الكبرى في البلاد إلى المجلس ولطمأنة الأقليات الزنجية دون أن يكون لهؤلاء الأعضاء دور أساسي في الانقلاب.
مصادر سياسية مطلعة في موريتانيا تعتبر العقيد (ولد محمد فال) من «رجال فرنسا» وأحد المتحمسين لنشر اللغة والثقافة الفرانكفونية على حساب اللغة العربية التي يجهلها تقريباً!.
كما أنه ينتمي إلى مدرسة تدعو إلى ارتباط موريتانيا بالثقافة الفرنسية وبالفضاء الفرانكفوني بدلاً من المحيط العربي، ومعروف عنه توجهه العلماني الليبرالي.
أما تكوينه الأكاديمي فهو محدود؛ حيث إنه دخل الجيش في الستينيات بعد إكمال تعليمه الثانوي ولم يحصل على أي شهادات أكاديمية عليا.
وينتمي (ولد محمد فال) إلى جيل الرئيس المخلوع معاوية ولد الطايع وكان يشغل منذ وصول الأخير إلى السلطة عام ١٩٨٤ منصب المدير العام للأمن حتى يوم الانقلاب. وهو من أبناء عرب جنوب البلاد، ويتحدر من قبيلة «أولاد بو السباع» .
ويقول بعض من عرفه عن قرب قبل قيادته الانقلاب إن الرجل يرى أن الأمن في موريتانيا لا يتحقق بالوسائل العسكرية، وأن نجاح بلاده في التصدي للموجة العنصرية خلال حرب ١٩٨٩م لم يتم بسبب قوتها العسكرية وإنما عبر التفاف قوى أساسية حولها في الداخل والخارج.
عاش «ولد محمد فال» عشرين عاماً في الظل، وعرف عنه كرهه مظاهر السلطة، ويفضل قضاء أوقات الفراغ مع أسرته وأقاربه مستخدماً إلى حد الإفراط إتقانه لروح الدعابة.
أما الرجل الثاني في تلك القيادة فهو العقيد «عبد الرحمن ولد بوبكر» الذي اشتهر في أوساط الجيش الموريتاني بأنه من «الضباط الشرفاء» حيث لا تحوم حوله شبهات الفساد أو التورط في اختلاس المال العام عكس بعض زملائه في المجلس الذين ترددت حولهم بعض الشبهات.
كما تميز العقيد «ولد بو بكر» بأنه لم يكن يوماً من المقربين لولد الطايع، وظل يمارس عمله كعسكري في الميدان إلى أن كلفه ولد الطايع بعد انقلاب الثامن من يونيو ٢٠٠٣ المحبط بمنصب مساعد قائد القوات المسلحة في مسعى لإصلاح المؤسسة العسكرية واحتواء التذمر داخل الجيش، غير أنه سرعان ما اختلف مع قائد القوات المسلحة العقيد العربي ولد سيدي علي ـ المعتقل حالياً من طرف الانقلابيين ـ ووصلت الخلافات بينهما مؤخراً لحد الشجار العلني في اجتماع للضباط.
ويتصف العقيد «ولد بو بكر» بالتدين دون أن يكون مصنفاً من الإسلاميين أو متعاطفاً معهم.
أما العقيد «محمد ولد عبد العزيز» ، فهو ضابط شاب وينحدر من قبيلة «ولد محمد فال» نفسها وبرز اسمه إلى الواجهة بعد انقلاب يونيو ٢٠٠٣م المحبط حيث أسهم في إحباط التمرد العسكري؛ وهو ما كافأه عليه ولد الطايع بتعيينه قائداً للحرس الرئاسي وهي القوة التي كانت تتولى أمن الرئيس وحمايته.
ومما يحسب للعقيد «ولد عبد العزيز» ما صرح به في مقابلة مع إذاعة «صوت أمريكا» الناطقة بالفرنسية؛ حيث قال تعليقاً على قرار إطلاق سراح المعتقلين الإسلاميين: إن المجلس أطلق سراح الإسلاميين؛ لأنهم «معروفون في الداخل والخارج باعتدالهم وبمواقفهم الرافضة للعنف، وأنهم معروفون في بروكسل على المستوى الأوروبي، بأنهم أناس معتدلون جداً، وبأنهم لم يتبنوا العنف أبداً» ، مضيفاً أن «اعتقال أناس معتدلين يعتبر استفزازاً للشعب الموريتاني، وإننا نعتقد أن ذلك هو أقرب طريق لدفع الناس المسالمين لليأس فيصبحوا إرهابيين» .
ويعتبر بعض المراقبين أن هذا التصريح يعكس الاختلاف الواضح في الطريقة التي يدير بها المجلس العسكري العلاقة مع الإسلاميين، عن الطريقة التي كان النظام السابق يدير بها العلاقة مع الإسلاميين، الذين يعتبرون من أبرز القوى السياسية التي عارضت النظام السابق.
يذكر أن العقيد «محمد ولد عبد العزيز» هو قائد الحرس الرئاسي الذي كان له دور محوري في نجاح الانقلاب.
ولعل الخطوة التي قامت بها الحكومة الموريتانية مؤخراً تعكس شيئاً من الرغبة في التعامل بإيجابية مع التيار الإسلامي في البلاد؛ حيث منحت وزارة الداخلية الترخيص لحزب «الملتقى الديمقراطي» بزعامة الشيخ المختار ولد حرمة بعد أن قدم ملفه للاعتماد رسمياً.
وكان النظام السابق يرفض الاعتراف بالحزب، بحجة أنه يضم قيادات في الحركة الإسلامية الموريتانية، بل كانت وزارة الداخلية ترفض حتى استقبال ممثليه وتسلم ملفه؛ لأنه كان سيترتب عنه تسليم الحركة وصلاً بذلك، ومن ثم السماح لها بممارسة نشاطها لمدة الشهرين التي تستغرقها دراسة الطلب، كما ينص عليه القانون الموريتاني.
وقال رئيس مجلس الحزب الشيخ «المختار» : إن النظام السابق كان يخشى الحزب؛ لأن له قاعدة شعبية واسعة في موريتانيا لا تقتصر على الإسلاميين والزنوج بل تمتد حتى إلى المستقلين.
ويضم «الملتقى الديمقراطي» مجموعات سياسية من أبرزها الإسلاميون وبعض المجموعات القومية الزنجية التي كانت تدعم المرشح «محمد خونا ولد هيداله» خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت ٢٠٠٣م.
واعتبرت مصادر مقربة من الحزب أن الخطوة «إيجابية جداً ودليل على أن النظام الجديد يسير بالفعل على طريق القطيعة مع النظام السابق» ، متمنياً أن تتبع هذه الخطوة خطوات أخرى من أهمها إطلاق سراح بقية السجناء في أقرب وقت ممكن.
جدير بالذكر أن المكتب التنفيذي يضم شخصيات إسلامية ووطنية من أبرزها:
- الرئيس الدكتور الشيخ ولد حرمه ولد بابانه.
- نائب الرئيس الأستاذ محمد جميل ولد منصور.
- الأمين العام النائب البرلماني الأستاذ جاورا كنيي.
- رئيس المجلس الوطني السفير المختار ولد محمد موسى.
- الأمين الوطني للسياسة الاستاذ السالك ولد سيدي محمود.
- الأمين الوطني للعلاقات الخارجية السفير كون الله.
- الأمين الوطني للإعلام الدكتور عبدوتى ولد عالي.
- الامين الوطني للحريات وحقوق الإنسان الاستاذ كان إسماعيل.
واعتبر قادة الحزب اعتراف السلطات الجديدة بهم بادرة خير وخطوة مشجعة نحو بناء دولة ديمقراطية، وفتح المجال أمام مختلف مكونات الشعب الموريتانى للمساهمة في المرحلة القادمة.
وأكد الحزب خلال بيان له وزع على ضرورة الإسراع بإعلان عفو عام عن سجناء الرأي والمنفيين من مدنيين وعسكريين، وإطلاق سراح كافة المعتقلين.
كما طالب بفتح قنوات التشاور مع الناشطين السياسيين البارزين لسد الطريق أمام أي تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية للبلاد.
إلا أنه ورغم كل تلك الرسائل الإيجابية فإن هناك ما يشير إلى شيء غير قليل من الشكوك يختلج في نفوس قادة الحركة الإسلامية الموريتانية بشأن حقيقة نوايا هؤلاء العسكريين من الدور الذي ينبغي أن يقوم به الإسلاميون في نظام الحكم الجديد، ومن ذلك أن الشيخ «محمد الحسن ولد الددو» سئل عن تقييمه بشأن مجموعة القرارات التي أصدرها المجلس العسكري والإجراءات التي اتخذها، فكان جوابه: «إلى الآن البيانات والقرارات التي أصدرها المجلس العسكري، تسير في غالبها في الطريق الصحيح، ويشكل بعضها معقد آمال الشعب الموريتاني، وليست لها معارضة؛ فكل الشعب موافق عليها» .
وهي كمبادئ نظرية عامة تحتاج للتطبيق، ويبقى التطبيق في المستقبل هو المحك الحقيقي؛ فإن ساروا على النهج نفسه استحقوا التشجيع والتأييد، وكانوا رموزاً للإصلاح والإنقاذ مثل ما كان فعله «سوار الذهب» في السودان و «توماني توري» في مالي، وإن كانت الأخرى ـ ونسأل الله ألا تكون ـ فلن يسلموا من معارضة غيرهم، وسنكون نحن أول المنكرين لمنكرهم مثل ما كنا.
ثم سئل: ما هي الكلمة التي توجهونها للقادة الجدد؟ فقال: هي الكلمة التي وجهتها لهم يوم أمس في المسيرة (يوم خروجه من المعتقل) ؛ وهي نصيحة لهم: أن يفوا بالتزاماتهم، وأن يكونوا صادقين وافين بما عقدوه على أنفسهم، وما أبرموه من عهود أمام الله ثم أمام هذا الشعب المسلم الأبي، فبذلك سيكونون بحق رموزاً للإصلاح والتغيير الجدي، انطلاقاً من ثوابت هذه البلاد، ومرجعيتها الإسلامية الأصيلة.
وهناك خطوات قام بها المجلس العسكري والحكومة التي شكلها رأى فيها المراقبون مبعث قلق كبير بشأن حقيقة الرغبة في الإصلاح؛ حيث تعهد رئيس وزراء موريتانيا الجديد، (سيدي محمد ولد بو بكر) بأن تظل بلاده حليفة للولايات المتحدة في ما يسمى بالحرب ضد الإرهاب.
وقال (ولد بو بكر) رئيس الوزراء المدني المعين من قِبَل المجلس العسكري في حديث لوكالة رويترز: إن العلاقات مع الولايات المتحدة مهمة للغاية، وإن الحكومة الجديدة واثقة من قوة تلك العلاقات.
وأضاف أن موريتانيا تجدد بكل وضوح رغبتها في احترام إسهاماتها الدولية بما في ذلك الدور الذي تلعبه في الحرب على الإرهاب.
وكانت واشنطن قالت في أعقاب الانقلاب على ولد الطايع: إنها ستتعامل مع المجلس العسكري إذا أظهر أنه سيفي بوعوده.
وقال (ولد بو بكر) : إن الحكومة الجديدة لن تتدخل في القضايا القانونية الجارية حالياً، لكنه قال: إن إسلاميين آخرين سيطلق سراحهم إذا لم تثبت ضدهم أدلة.
ورداً على سؤال بخصوص الدولة العبرية قال ولد بوبكر: إن سياسة موريتانيا الخارجية ستكون سياسة تتسم بالاستمرار. وأشار إلى أن زعماء الانقلاب التقوا بجميع السفراء الأجانب في نواكشوط بمن فيهم السفير (الصهيوني) .
من جهة أخرى قالت مصادر صهيونية: إن مسؤولين موريتانيين جدد من بين من قادوا الانقلاب العسكري، زاروا تل أبيب سراً وطلبوا تعزيز العلاقات بين البلدين.
وطمأن الوفد الموريتاني المسؤولين في (الأرض المحتلة) بأن العلاقات بين البلدين لن تتأثر بعد إقصاء ولد طايع عن الحكم، وإنما سيتم تعزيزها!!
وقالت صحيفة «المنار» الفلسطينية: إنها علمت أن الحكام الجدد في نواكشوط أوفدوا مبعوثاً بشكل سري إلى الكيان الصهيوني، لطمأنة قادة تل أبيب والتأكيد على حرص الانقلابيين على تعزيز العلاقات بين موريتانيا والدولة العبرية.
وذكرت مصادر مطلعة أن الموفد الموريتاني الذي وصل إلى مطار تل أبيب، طلب من المسؤولين الصهاينة بحكم علاقاتهم الجيدة مع الرئيس المخلوع ولد طايع إقناعه بالصمت والعيش في منفاه أو العودة بعد عام إلى موريتانيا للعيش كمواطن عادي.