فإنَّ مما لا شك فيه ولا يختلف عليه اثنان، أنَّ علم الحديث من أجلِّ وأشرف العلوم، إذ هو يتعلق بأقوال النبي ﷺ وأفعاله، وتقريراته، وسيرته، وكفى به شرفًا، وهذه الأقوال والأفعال وما بعدها، لها طريقٌ موصل إليها وهو ما يسمى بالإسناد الذي هو عمود هذه الأقوال وبه وصلت إلينا، وهذا الإسناد يشتمل على رواة، هؤلاء الرواة هم قوام الإسناد وعموده، فبثقتهم يُصحَّح، وبضعفهم يُضَعَّف.
وقد قيَّض الله لنا علماءَ جهابذة نقلوا لنا حال هؤلاء الرواة، بعد عملية شاقة تُسمَّى بالسَبْر، وهي أن يقوم هذا الإمام الجهبذ بجمع مرويات هذا الراوي، ثم يقوم بعرضها علي أحاديث الرواة من أهل طبقته، ثمَّ يقوم بالمقارنة بينهم، فيتبيَّن له من خلال هذه المقارنة قدر الموافقة والاستقامة من المخالفة، ثمَّ يَصدُر عنه حُكمٌ هو نتاج هذه العملية الشَّاقة، فلِلَّه درُّهم وعلى الله أجرهم.
ثمَّ قيَّض الله تعالى لهم تلامذة نجباء أوفياء علماء حفظوا لنا علمهم ونقلوه لنا بإتقان أيما إتقان، وأحسنوا إلينا أيما إحسان، فلله درّهم وعلى الله أجرهم، وهذا النقل أودع في كتب وسمها العلماء بكتب "السؤالات"، كـ"سؤالات أبي داود للإمام أحمد"، و"سؤالات ابن مُحرز لابن معين"، وغيرها كثير، ثمَّ بدأ الأمر يتسع شيئًا فشيئًا، حتى