ومن أمتع ما قرأتُ في هذا الصدد ما سطَّره الشيخ شعيب الأرناؤوط في "مقدمة الإحسان"، أورده مع بعض الإضافات التي يحتاج إليها المقام.
قال الشيخ:"إنَّ مما يثير الإعجاب بابن حِبَّان ما تميَّز به طوال رحلته وطلبه من همةٍ لا يعتريها فتور، وحرص على اقتناص الفوائد ليس له نظير، فلم يسترح قلمه عن كتابة ما تسمعه أذناه من الشيوخ، حتى جاوز في ذلك الحد أحيانًا، كما قال أبو سعد الإدريسيُّ: "سمعت أبا حامد أحمد بن محمد بن سعيد النَّيسابوريِّ الرجل الصالح بسمرقند، يقول: كنا مع أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في بعض الطريق من نيسابور، وكان معنا أبو حاتم البُستيُّ، وكان يسأله ويؤذيه، فقال له ابن خُزيمة:"يا بارد تنح عني لا تؤذني، أو كلمة نحوها"، فكتب أبو حاتم مقالته، فقيل له: تكتب هذا؟! فقال: نعم أكتب كل شيء يقوله" [معجم البلدان] بُست).
ومثل هذه الهمة لم يكن ليقنعها فن واحد من فنون العصر، فاتَّجه إلى تحصيل، واستيعاب أكثر ما كان معروفًا في زمانه من العلوم والمعارف، على أنَّ أعظم ما رسخ فيه، وبرع، وغدا من أعلامه، علم الحديث فقد صار الإمام الحافظ المجوِّد العلَّامة الثقة الثَّبت المتقن