أتى بالظاهر فقال:"فهجرته إلى الله ورسوله"، وذلك من آدابه - صلى الله عليه وسلم - في تعظيم اسم الله أن يجمع مع ضمير غيره، كما قال للخطيب "بئس الخطيب أنت" حين قال: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى. وبَيَّن له وجه الإنكار فقال له:"قل ومن يعص الله ورسوله" وهذا يَدْفَع قول مَن قال: إنما أنكر عليه وقوفه على قوله: ومن يعصهما، وقد جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الضمير في موضع آخر، فقال فيما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا تشهد .. الحديث وفيه "من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئا" وقد ظهر بهذا أن ترك جمعهما في ضمير واحد على وجه الأدب، وأنه إنما أنكر على الخطيب ذلك تنبيها على دقائق الكلام، ولأنه قد لا يكون عنده من المعرفة بتعظيم الله تعالى، ما يعلمه - صلى الله عليه وسلم - من عظمته وجلاله، والله أعلم. اهـ طرح جـ ٢/ ص ٢٤.
المسألة السادسة والثلاثون:
قال الحافظ العراقي: الدنيا فُعْلى من الدنو وهو القرب، سميت بذلك لسبقها للآخرة، وفي الدال لغتان الضم وهو الأشهر، والكسر حكاه ابن قتيبة وغيره، وهي مقصورة ليس فيها تنوين بلا خلاف نعلمه بين أهل اللغة والعربية، وحَكَى بعضُ المتأخرين من شراح البخاري أن فيها لغة عربية بالتنوين، وليس بجيد، فإنه لا يعرف في اللغة، وسبب الغلط أن بعض رواة البخاري رواه بالتنوين وهو أبو الهيثم الكشميهني، وأنكر ذلك عليه، ولم يكن ممن يُرجع إليه في ذلك، فأخذ بعضهم يَحكي ذلك لغة كما وقع لهم نحو ذلك في "خُلوف فم الصائم" فحكوا فيه لغتين، وإنما يعرف أهل اللغة الضم، وأما الفتح فرواية مردودة لا لغة. اهـ طرح جـ ٢/ ص ٢٥.