للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وذلك أن الدعاء بلفظ الخبر آكد، فيكون جائزاً بطريق الأولى.

ومَنْ مَنَعَ وقف عند التعبّد، وهو الذي رجّحه ابن العربي، بل كلامه يدلّ على أن الثواب الوارد لمن صلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما يحصل لمن صلى عليه بالكيفية المذكورة.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله ابن العربي رحمه الله تعالى هو الذي يترجّح عندي، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سئل عن الصيغة التي يُمتَثَل بها أمرُ الله تعالى بالصلاة عليه، فقيل له: فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ أجابهم بقوله: "قولوا: اللَّهم صلّ على محمد" الخ، فكيف يمكن الخروج عن العهدة، ويحصل الامتثال بصيغة مخالفة لهذا الجواب، فهيهات هيهات!! والله تعالى أعلم.

قال في "الفتح": واتفق أصحابنا -يعني الشافعية- على أنه لا يجزىء أن يقتصر على الخبر، كأن يقول: الصلاة على محمد، إذ ليس فيه إسناد الصلاة إلى الله تعالى، اختلفوا في تعيين لفظ "محمد"، لكن جوّزوا الاكتفاء بالوصف دون الاسم، كالنبي، ورسول الله، لأن لفظ "محمد" وقع التعبّد به، فلا يجزىء عنه إلا ما كان أعلى منه، ولهذا قالوا: لا يجزىء الإتيان بالضمير، ولا بأحمد مثلاً في الأصحّ فيهما، مع تقدّم ذكره في التشهد بقوله "النبي"، وبقوله "محمد".

وذهب الجمهور إلى الاجتزاء بكلّ لفظ أدّى المراد بالصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم-، حتى قال بعضهم: لو قال في أثناء التشهد: الصلاة والسلام عليك أيها النبي أجزأ، وكذا لو قال: أشهد أنّ محمداً -صلى الله عليه وسلم- عبده ورسوله، بخلاف ما إذا قدّم عبده ورسوله، وهذا ينبغي أن ينبني على أن ترتيب ألفاظ التشهد لا يشترط، وهو الأصحّ (١)، ولكن دليل مقابله قويّ، لقولهم "كما يعلّمنا السورة"، وقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "عَدّهنّ في يدي".

وعمدة الجمهور في الاكتفاء بما ذكر أن الوجوب ثبت بنصّ القرآن بقوله تعالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، فلما سأل الصحابة عن الكيفية، وعلّمها لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، واختلف النقل لتلك الألفاظ اقتصر على ما اتفقت عليه الروايات، وترك ما زاد على ذلك، كما في التشهد، إذ لو كان المتروك واجباً لما سكت عنه. انتهى.

وقد استشكل ذلك ابن الفركاح (٢) في "الإقليد"، فقال: جَعْلُهُم هذا هو الأقلَّ يحتاج


(١) في كون هذا القول هو الأصحّ نظر لا يخفى، بل هو ضعيف كما يرشد إليه الكلام الذي بعده. فتأمل.
(٢) هو الإمام تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم المعروف بالفركاح الشافعي المتوفي سنة ٦٩٠ هـ وله كتاب "الإقليد لدرء التقليد" شرح للتنبيه للشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وقف قبل وصوله إلى "كتاب النكاح" انتهى. "كشف الظنون" جـ ١ ص ٤٩٠.