فيترتب الحكم على ذلك، والثانية أفادت أن العامل لا يحصل له إلا ما نواه.
ثم فصل ما أجمله فيما تقدم بقوله (فمن كانت هجرته) بكسر الهاء فعلة من الهَجْر، وهو ضد الوصل، ثم غلب على الخروج من أرض إلى أرض، وترك الأولى للثانية، قاله في النهاية. وفي الشرع: مُفارقةُ دار الكفر إلى دار الإسلام خوفَ الفتنة، وطلبَ إقامة الدين، وفي الحقيقة مفارقة ما يكرهه الله إلى ما يحبه، ومن ذلك سُمِّيَ الذين تركوا مكة وتحولوا إلى المدينة من الصحابة بالمهاجرين لذلك. قاله العيني.
أي من كانت رحلته من بلد إلى بلد آخر (إلى الله وإلى رسوله) بإعادة الجار، وثبت في رواية بحذفها، نيةً وقصدًا (فهجرته إلى الله وإلى رسوله) - صلى الله عليه وسلم - حكما وشرعا، أو ثوابا وجزاء، وإنما قدرنا ذلك، ليتغاير الشرط، والجزاء؛ لأنه لا بد من ذلك، وإلا لم يكن مفيدا، وقيل: يجوز الاتحاد في الشرط والجزاء، والمبتدإ والخبر، إذا قصد التعظيم، أو التحقير كأنت أنت، أي العظيم، أو الحقير، ومنه قول أبي النجم: وشعري شعري، أي العظيم، وقيل: الخبر محذوف في الجملة الأولى منهما: أي فهجرته إلى الله ورسوله محمودة أو مثاب عليها، وفهجرته إلى ما هاجر إليه مذمومة أو قبيحة، أو غير مقبولة. اهـ نيل جـ ١/ ص ٢٠٢.
(ومن كانت هجرته إلى دنيا) بضم الدال، وحكى ابن قتيبة كسرها وهي فُعْلى من الدُّنُوِّ، أي القرب، سميت بذلك لسبقها الأخرى، وقيل لدنوها إلى الزوال، وهي غير منونة على الأشهر، وحكي تنوينها،
وجمعها دُنَا، ككُبَر جمع كُبْرَى، والنسبة إليها دنيوي، ودنياوي، ودنْييّ، بقلب الواو ياء فتصير ثلاث ياءات، واختلف في حقيقتها،