والمراد بذلك كيف أصبحت، وكيف أمسيت. وهذا أوّلًا إسقاط للواو العاطفة في عطف الجملة، ومسألتنا في إسقاطها في عطف المفردات، وهو أضعف من إسقاطها في عطف الجمل، ولو كان غير ضعيف لم يمتنع الترجيح بوقوع التصريح بما يقتضي تعدد الثناء، بخلاف ما لم يصرّح به فيه.
وترجيح آخر لتشهد ابن مسعود، وهو أن "السلام" معرّف في تشهد، ابن مسعود وُنَكِّر في تشهد ابن عباس، والتعريف أعمّ.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: وفيه أن تنكيره في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - ليس في جميع الروايات، بل في بعضها، فقد وقع في "صحيح مسلم" معرّفًا. والله تعالى أعلم.
وذهب مالك إلى اختيار تشهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الذي علمه الناس على المنبر، ورجحه أصحابه بشهرة هذا التعليم، ووقوعه على رؤوس الصحابة من غير نكير، فيكون كالإجماع.
ويترجح عليه تشهد ابن مسعود، وابن عباس - رضي الله عنهم - بأن رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مصرح به، ورفع تشهد عمر بطريق استدلالي.
انتهى كلام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى (١).
وقال الترمذي رحمه الله تعالى: حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - روي من غير وجه، وهو أصح حديث روي في التشهد، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة، ومن بعدهم. قال: وذهب الشافعي إلى حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في التشهد.
وقال البزار لمّا سئل عن أصح حديث في التشهد، قال: هو عندي حديث ابن مسعود، وروي من نيف وعشرين طريقا، ثم سرد أكثرها، وقال: لا أعلم في التشهد أثبت منه، ولا أصح أسانيد، ولا أشهر رجالا. اهـ.
قال الحافظ رحمه الله تعالى: ولا اختلاف بين أهل الحديث في ذلك، وممن جزم بذلك البغوي في "شرح السنة"، ومن رجحانه أنه متفق عليه دون غيره، وأن الرواة عنه من الثقات لم يختلفوا في ألفاظه بخلاف غيره، وأنه تلقاه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلقينا، فروى الطحاوي من طريق الأسود بن يزيد عنه، قال:"أخذت التشهد من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولقننيه كلمة كلمة"، وقد تقدم أن في رواية أبي معمر عنه "علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكفي بين كفيه"، ولابن أبي شيبة وغيره من رواية جامع بن أبي راشد، عن أبي وائل، عنه، قال:"كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن". وقد وافقه